الموت كأس وكل الناس شاربه، والثانوية العامة، كأس من كئوس جهنم، ملىء بالحنظل والزقوم، وما أدراك ما الزقوم،كالمهل يشوى البطون والثانوية العامة تشوى البطون والعقول، بل والجيوب !
وإذا لم تذق كأس المرارة، اليوم فغدا، لا تجزع، اصبر واحتسب، وما دمت تحمل الجنسية المصرية فلابد أن تتجرع كأس العذاب، وتسقيه لأقرب الناس إليك إلى أبنائك، على اعتبار أن كل دواء مر، ومرارة ساعة، ولا كل ساعة.
كتب على المصريين أن يموتوا بالفشل الكلوى، من جراء تلوث الماء، واختلاطها بمياه المجارى، والصرف الصحى، كما كتب عليهم أن تفشل أكبادهم من المبيدات التى يتم رشها على الزراعات، وكتب عليهم أيضا أن يعيشوا أشد خطرا على مستقبل هذه الأمة وهو الفشل التعليمى، الذى ينافس الفشل الكبدى والكلوى، وتتجلى صورة هذا الفشل فى الشهادة الملعونة المسماه بالثانوية العامة، البعبع الذى يقضى على أحلام كل من قد يرتكب جريمة التفكير والتعبير برأيه، ففى الثانوية العامة التفكير وإعمال الفكر جريمة يدفع ثمنها الطالب من مستقبله.
الوصايا التى يجب أن توصى بها ابنك، مادام هو فى الثانوية العامة، هى: الانتحار فى المذاكرة، الحفظ عن ظهر قلب، حل جميع النماذج بدل المرة عشرات المرات، الذهاب للمدرسة مضيعة للوقت، الدروس تكفى، ولدينا بدل المدرس عشرات، هذا للشرح، وذاك للمراجعة النهائية، وذلك للتوقعات المرئية والمخفية، وسوف نكمل الوصفة السحرية بالذهاب للمدرس " اللهلوبة " الذى لا يخرج " أجعصها " امتحان، المهم فى النهائية، اجتياز الثانوية العامة، والحصول على الشهادة الملعونة.
الثانوية العامة شهادة بفشل مصر تعليميا، لأنها المسئولة عن تدمير مستقبل هذا البلد، فنحن نزرع فى أبنائنا، كل معانى الذل والخنوع والضعف، وتعطيل الفكر، ورغم كل هذا العذاب الذى يلاقيه أبناؤنا تجد المفاجآت المدمرة، التى يخرج فيها واضع الامتحان لسانه لكل الطلاب أو يلسعهم على أقفيتهم، خذ عندك مثلا امتحان مادة التفاضل والتكامل الذى أظهرت العينة العشوائية أن 6 % فقط من الذين خاضوه حققوا نسبة تتجاوز التسعين فى المائة !!
امتحان يدمر، لا يبنى، ويقضى على أعصاب الطلاب، وكأنها متعة، أو هواية أن ندمر هذه الزهور التى لم تتفتح بعد .
وتكتمل معالم المأساة داخل كنترول الثانوية العامة، فكل طالب هو وحظه ونصيبه، ومدى قبول الله لدعاء والديه، خذ عندك درجات التعبير، أنت ونصيبك فقد يحنن ربنا قلب المصحح على الورقة، وممكن يكون المصحح مزاجه "موش" تمام والمدام معكننة عليه، فيطلع "أرفه " على الورقة .. الغريب أن الأوراق التى تؤخذ لعمل العينات العشوائية، تتعرض للظلم فى كثير من الأحوال، لأنه يتم استبعادها فى حالة إضافة درجات للرأفة بعد إعادة توزيع الدرجات.
الواضح حتى الآن أن الحكومة لا تريد أن تنهى كابوس الثانوية العامة، ولا تريد القضاء على هذا البعبع، وأنها تدعى هذا الكلام من وراء قلبها، وإلا بماذا نفسر هذا الفشل فى إدارة ملف الثانوية العامة التى أصبحت الهم الأول فى كل بيت مصرى .. وكل ما قيل عن مشروع تطوير الشهادة، لم يشف غليل الأسر، ومازالت تتغلب فيه المصالح السياسية على مصلحة البلد العليا. نريد تعليما جديدا يبدأ من المهد، نعلم فيه أطفالنا بحق ربنا، نعلمهم الحرية والديموقراطية، وحرية الاختلاف فى الرأى، ونعلمهم أن التفكير فضيلة وليس رذيلة، ابدأوا من أطفال الحضانة، كما بدأت اليابان، فمن وصل إلى مرحلة الثانوية العامة فسد وشبع فسدان ولا رجاء فيه، ولا منه.