أثناء احتفالات الخارجية المصرية بتخريج الدفعة 35 من الملحقين الدبلوماسيين الجدد، التى حملت اسم الدكتور أسامة الباز، ألقى وزير الخارجية أحمد أبو الغيط كلمة قصيرة أمام الدبلوماسيين الجدد. الوزير أثار دهشة المشاركين فى الحفل، عندما قال موجها حديثه للخريجين "عليكم بالولاء الكامل لمصر ولاسم مصر، أنا شخصياً مستعد أن أقطع يدى، لكى أحقق مصالح بلدى".
قرأت العبارة فى الصحف بعدها اتصلت بأحد الدبلوماسيين المخضرمين الذين حضروا الاحتفال للتأكد من نص التصريح..الرد جاء ليؤكد ما قاله الوزير مع إضافة "تحابيش "أخرى جرت على جانب الاحتفال. من ناحيتى أدعو العاملين بديوان الخارجية المصرية لإضافة تلك العبارة إلى قاموس الأقوال "المأثورة" للسيد أبو الغيط بعد أن أصبح هذا النوع من تصريحاته غير مدهش للمراقبين ولا لزملائه الدبلوماسيين.
كلام الوزير لشباب الدبلوماسيين عن استعداده لقطع ذراعه دفعنى لاستعادة عبارة مشابهة قالها سيادته فى مطلع العام الحالى عندما اقتحمت قوات تابعة لحركة حماس الفلسطينية الحدود عند رفح، حيث أطلق الوزير تصريحه الشهير الذى قال فيه "من سيكسر خط الحدود المصرية ستكسر قدمه". لا خلاف مع الوزير فى مواقفه الوطنية المعبرة عن الموقف الرسمى المصرى، لكن الخلاف على طريقة وأسلوب التعبير. ولذلك أقترح على وزارة الخارجية أن تجمع مثل هذه التصريحات وتنشرها فى كتاب أنيق توزعه على الدبلوماسيين الجدد على أن يحمل عنوان "دبلوماسية قطع الأطراف"، ولا مانع أن يتم توزيعه على السفارات الأجنبية المعتمدة لدى مصر أيضا.
ناقشت دبلوماسياً آخر بخصوص دبلوماسية "قطع الأطراف" الجديدة فذكرنى على الفور بواقعة شهيرة جرت تحت قبة مجلس الشعب عندما تعرض وزير الخارجية للعتاب من نواب الشعب بسبب تهاون الخارجية فى التعامل مع حوادث قتل جنود الاحتلال الإسرائيلى المتكررة لمواطنين مصريين على الحدود فى سيناء، وهنا حاول الوزير الدفاع عن نفسه فأقسم للنواب أنه عندما وقع عدوان 1967 تملكه الغضب لدرجة التفكير فى "الانتحار".
بصرف النظر عن نوايا السيد الوزير أو قصده من تلك التصريحات الغريبة، فربما تكون المرة الأولى التى أقرأ أو استمع فيها إلى وزير لخارجية مصر يتحدث بهذه اللغة أو بهذا الأسلوب. وسبب استغرابى من هذه اللغة أن الأمر يتعلق بوزير يرأس أعرق وأقدم مدرسة للدبلوماسية فى المنطقة العربية.
حتى لا نظلم الوزير أبو الغيط فإن أغلب وزراء الخارجية فى مصر ظلوا يتشبثون بما توفره "اللغة العربية "من بلاغة وثراء فى الألفاظ، حيث تعودنا أن يضخ وزير الخارجية حزمة من التصريحات "الرنانة" بشكل يومى، ظاهرها أن هناك عملية سياسية وأن فى الوزارة مطبخاً لا يتوقف عن صنع السياسات ومتابعة الأحداث، بينما باطنها الذى يعرفه الكثير من أبنائها غير ذلك تماما، وأن ماكينة ضخ التصريحات خالية المضمون تعمل بكفاءة وفقا لبلاغة شخص الوزير ومدى تمكنه من امتلاك ناصية الكلام، فضلا عن ذكائه الشخصى وقدراته الخاصة فى التعامل مع "الميديا".
اللافت أن السنوات الأخيرة تميزت بعدد من الحوادث المهينة التى تعرض خلالها بعض أعضاء البعثات الدبلوماسية المصرية فى الخارج للاعتداءات العنصرية ..أبرز هذه الاعتداءات كان حادث اغتيال السفير إيهاب الشريف فى بغداد ..والذين يلومون وزارة الخارجية بسبب تقاعسها عن ملاحقة قاتلى المصريين عبر الحدود فى سيناء أصيبوا باليأس من عدم ملاحقة الوزارة للمعتدين على كرامة وهيبة الدبلوماسيين المصريين بالخارج.
أتصور أن الرأى العام المصرى من حقه أن يعرف نتائج التحقيق فى الاعتداء الذى تعرض له دبلوماسى مصرى فى الكويت من حارس وزير عربى، فضلا عن مواقف الخارجية من الاعتداءات الأخرى التى تعرض لها دبلوماسيون مصريون فى كل من أوروبا والولايات المتحدة. فهل آن الأوان لوزير الخارجية أن يستبدل دبلوماسية قطع الأطراف بدبلوماسية رقيقة ناعمة تتناسب مع طبيعة العمل الدبلوماسى؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة