خالد الشريف

"شماعة" الزيادة السكانية

الخميس، 19 يونيو 2008 12:05 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من المعروف بداهةً أن الثروة البشرية سلاح الدول فى مواجهة أعدائها، وهى أساس العمران فى الأرض، بل هى أساس التقدم والرُّقِى لو أُحْسِن استغلالها، وهو الأمر الذى أثبته واقع البلدان المتحضرة الغنية كاليابان وغيرها، ومن هنا كانت أهمية النسل البشرى فى نهضة الأمم، وتقدم الشعوب، وتوالد الأفكار المتعددة من العقول المتنوعة، مما يعطى الأمم ثراء فكريا، ونموا عقليا يضعها على مسار التقدم.

نقول ذلك، وقد فوجئنا هذه الأيام مع تصاعد أزمة الغذاء بالعالم، وارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى مستويات غير مسبوقة، أن الحكومة المصرية لم تجد تبريرًا للأزمة سوى تعليقها على "شماعة" الزيادة السكانية! بل إن المؤتمر القومى الثانى للسكان الذى عُقِدَ مُؤَخَّرًا، دق ناقوس الخطر بسبب الزيادة السكانية، ومخاطرها الاقتصادية والاجتماعية، باعتبارها أمرًا يهدد الاستقرار الأمنى فى البلاد! والأدهى من ذلك أن مصادر إعلامية، أكدت أن الحزب الوطنى الحاكم يدرس حاليًا وضع ضوابط معينة للحد من الزيادة السكانية، تَشْمَلُ السماح باستخدام حبوب «الإجهاض» مثل تونس، وفرض عقوبات على الأسر التى تنجب أكثر من طفلين!

وهذا بالطبع خَلْطٌ للأوراق، فأزمة مصر -التى يبلغ تعداد سكانها 75 مليون نسمة- الحقيقية أزمة "فساد"، وسوء تخطيط، والزيادة السكانية بريئة من هذا كله، ورؤية المؤتمر إذا ما نُظِرَ إليها من الوجهة الاقتصادية خَطَأٌ محض؛ لأن العنصر البشرى هو السلاح الأقوى فى العملية الإنتاجية؛ فلولا وجود هذا العنصر لم يكن هناك نشاط اقتصادى. فماذا نقول عن الصين مثلا، والتى يبلغ عدد سكانها 1,33 مليار نسمة؟! والتى أصبحت قوة اقتصادية ضاربة فى العالم؟! بل إن هنرى كيسنجر أكَّدَ فى كتابه "نصر بلا حرب" أنها (المارد القادم عسكريا وسياسيا).

وهذه الولايات المتحدة الأمريكية، والتى تملأ الدنيا ضجيجا، مطالبةً الدول العربية والإسلامية بخفض معدلات الإنجاب، وتُقَدِّمُ معوناتٍ لتحديد النسل، يُتَوَقَّعُ حسب تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية أن تصبح ثالثَ أكبر دولة من حيث تعداد السكان فى عام 2050؛ حيث سيزيد تعداد سكانها من 294 إلى 420 مليون نسمة!

فلا يصح أن نرفع شعار الكسل والعجز، ونقطع نسلنا بكل سهولة، متغافلين عن الحقيقة البديهية التى تقول: إن العنصر البشرى هو أهم أداة للإنتاج والتنمية، ولكننا بدلا من القضاء على الفساد الإدارى الذى زكمت منه الأنوف فى مصر، والبحث عن سبل جديدة للتنمية، وزيادة الدخل القومى، وإعمار صحراء مصر، والعمل على الخروج من الوادى الضيق إلى الوادى الفسيح...بدلا من كل هذه السبل نلجأ إلى قطع النسل!!

والعجيب أن المصريين يعيشون على 6% من مساحة مصر، بينما 94% من مساحة مصر خاليةٌ من السكان، بل إن غالبية المصريين مُكَدَّسون فى 3 محافظات، وباقى المحافظات بها خلخل سكانى كبير. فلماذا لا يتم تعمير سيناء -جنوبها وشمالها- بالسكان؟ خاصةً وأن العنصر البشرى سِلاحٌ من أسلحتنا الفعالة فى مواجهة إسرائيل، بل هو سلاح الفلسطينيين؛ حيث تعانى إسرائيل خللا بنيويًا ديموجرافيًا، يتمثل فى الزيادة الإطرادية لأعداد عرب 48 فى مقابل اليهود الإسرائيليين.

وقد تَنَبَّهَ مبكرًا لهذه المسألة كُلٌّ من البروفيسور "دوف فريدلاندر"، و"كالفين جولدشيدر" من الجامعة العبرية، فى عام 1980، فى دراسة بعنوان "سكان إسرائيل" والتى خَلُصَت إلى: أنه حتى بالسماح لأعدادٍ متزايدةٍ وكبيرةٍ من المهاجرين اليهود، فإن النسبة المرتفعة لمعدلات المواليد العرب سوف تجعل الأغلبية اليهودية تتآكل.

فإذا كانت الأزمة الاقتصادية تطحن بلادنا، فلماذا لا نزرع ونعمر بلادنا، ونأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع؟ ويكفى أن نتعلم من "الهند" التى رفعت لواء الشموخ يوما برفضها سُفُنَ القمح الأمريكى، التى كانت قابعةً على الموانئ الهندية، بسبب رغبة أمريكا فى التدخل فى الشئون الداخلية الهندية؟ وكانت هذه حادثةً تاريخية فى الهند؛ حيث أمرت رئيسة وزراء الهند فى ذلك الوقت "أنديرا غاندى"، بعودة السفن الأمريكية إلى أمريكا، ودعت الهنود لزراعة أكبر كمية من أراضيها بالقمح؛ لتحافظ على كرامة الهند، ولا تعرضها للضغوط الخارجية.

وكيف نستورد أكثر من 80% من القمح؟ ونحن بلد زراعى عندنا من المياه ما يكفى، والأراضى الخصبة الشاسعة؟! لماذا لا نتعلم من السعودية، والتى استطاعت تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح، وهى لا تملك مياهًا ولا أراضى خصبة، فضلا عن أنها دولة غنية؟ لكنها اتخذت الاكتفاء الزراعى قضية استراتيجية بالنسبة لها، فنهضت، وكان من أمرها ما كان.

مصر يا سادة، تعانى من سوء التخطيط، وسوء التوزيع، وسوء التنمية الاقتصادية.. وللأسف، فالحكومة المصرية غير قادرة على استثمار طاقات البشر، وتلجأ للحل الأسهل، وهو قطع نسل هذا الشعب؛ لتنام قريرة العين بحكم شعب أصابته الشيخوخة والعقم!!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة