محمد ناجى: عثرت على روايتى التائهة فى صندوق "الزبالة"

الأحد، 22 يونيو 2008 09:50 ص
محمد ناجى: عثرت على روايتى التائهة فى صندوق "الزبالة" الروائى محمد ناجى - تصوير ايمان شوقت
حاوره محمد التونى ومحمد البديوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الروائى محمد ناجى أحد تجليات الرواية الحديثة، أحدثت روايته الأولى "خافية قمر"، التى صدرت عام 1994 جدلاً واسعاً فى الوسط الثقافى، وتوالت عنها الكتابات النقدية. أصدر عدة روايات أخرى، هى: "لحن الصباح" و"مقامات عربية" و"العايقة بنت الزين" و"رجل أبله" و"امرأة تافهة".

صدر لناجى أخيراً رواية بعنوان "الأفندى" عن دار الهلال، وتتناول التغيرات التى طرأت على الواقع الحالى، ليس من وجهة نظر سياسية مباشرة، لكن من منطلق يرصد الإنسان فى مسيرة تحولاته.
اعترض الكاتب فى حواره مع اليوم السابع على تسمية الشرائح، التى يحللها فى روايته باسم "المهمشين".

هذا هو متن الواقع، إذا كنت تعنى بالهامش هؤلاء المهمشين سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ومعرفياً، فأعتقد أن مساحة الهامش تزيد فى الشارع المصرى لدرجة أن كل ما حولنا يصير هامشاً، فمصر كلها - فيما عدا صفوة قليلة ـ أصبحت الهامش، لأن ذلك يعنى أنك تضع ضمن المهمشين وكيل الوزارة الذى يعمل سائق تاكسى بعد الظهر، وكذلك المدرس الذى يمسك حسابات مخبز. وحينما أذكر الهامش، أقصد إطاراً معيناً، حينما يوضع فيه الإنسان يفقد ذاته معرفياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً "وكلنا فى هذا المركب".

تعنى أن الرواية ترصد صعود الطبقة الوسطى وانهيارها بفعل فاعل؟
الحراك الاجتماعى اتسع لصعود الطبقات الفقيرة - ونحن منها - لكن الرواية تلامس فترة نمت فيها مثل هذه الطرق للصعود وانخرط الجميع، وليس أبناء الطبقة الفقيرة فقط فى مثل هذه الطرق والمسارات، ومن هنا جفت منابع تمويل الطبقة الوسطى فكرياً، لأنه عندما ينشغل أبناء الطبقة الوسطى كالمحامى والمهندس والطبيب والصحفى والكاتب بتأمين نفسه ومستقبله والوصول إلى السلطة، يحدث النزيف خارج شرايين هذه الطبقة، التى يفترض فيها تمثيل قوام المجتمع.
و"الأفندى" و"الحاج حسين" و"وداد"، نماذج لحالات تعانى الكرب نفسه.

دعنا نترك شخصيات الرواية ونتحدث عن مستويات اللغة فى روايتك، فلغة "الأفندى" تملك شاعرية واضحة فى بعض أجزائها، فكيف تجمع هذا الخليط داخل السرد؟


فى روايتى جزء خاص بفترة الخمسينيات والستينيات، وهنا تعكس اللغة الفترة التى تتكلم عنها، وبالتالى طبيعة الأشخاص. أما الأجزاء الحالمة التى تنبعث من ذاكرة الأشخاص، فكتبت بلغة تشبه مفردات الأحلام التى تقترب من شاعرية لا تمس الدراما.
وفى العموم، يستخدم كل شخص فى نصه اللغة التى يرى أنها لازمة لهذا النص ولنا أن نحكم فى النهاية هل حملت هذا النص عالياً أم خانته ولم توصل الرسالة، أما بالنسبة لاجتهادى الخاص فى اللغة، فالرواية دراما بشكل من الأشكال ولكل شخصية لغتها الخاصة المحكومة بوضعها الإيقاعى ونسقها المعرفى وذائقتها وضرورات الموقف الدرامى، اللغة ليست فى النهاية (الفاعل والمفعول)، بل هى عديد من اللغات تختلف من شخصية لأخرى ومن موقف لآخر.

تحدثت عن شاعرية اللغة، و كنت تكتب الشعر قبل الانتقال للرواية، حدثنا عن هذا التحول؟
رأيى أن مساحة القصيدة فى الواقع الثقافى المتعاملة مع المحيط قليلة، والمسرح متقلص، وفى رأيى أن هذا ليس تقصيراً من الكتاب فى المسرح والشعر وإنما الشعر يلزمه وضوح عاطفى، لذا يجب أن تعرف انحيازاتك العاطفية حتى لو كانت هناك أخلاط وأصوات درامية، وهذا الوضوح غير موجود فى العالم بأكمله بفعل اهتزازات قيمية واجتماعية ومن هنا تضيق مساحة الشعر.
وكذلك منذ التسعينيات صار هناك تراشق إعلامى وانفراط سياسى وتضييق مساحة الحوار لتصبح مجرد إملاءات سياسية وجمالية وثقافية، ومن ثم تضيق مساحة المسرح لأنه ابن الحوار.
أما الرواية، فهى بنت الأشكال الأدبية بدءاً من الأساطير والملاحم والحكايات والخرافات وكتابات التوهمات، هذه الكتابات التى جاءت الرواية فى سياقها محملة بأسئلة وحيرة وتطرح نصوصها ليس بهدف تثبيت حكمة، وإنما بغرض كشف عالم وإثارة أسئلة حولها.
هذه الفترة تمثل مرحلة تحريك الأسئلة، فالعالم ملىء بثقافة وأسئلة فى مفترق الطرق، والرواية كانت بالنسبة لى تحولاً ضرورياً، لأنها شكل حامل للأسئلة.

وهل هذه الأسئلة فجرتها الرواية دون الأجناس الأدبية الأخرى, مع الاعتراف بأن الرواية كانت موجودة وسط فاعلية المسرح والشعر والمشاريع النقدية فى فترة الستينيات؟

فى فترات سابقة كان الشعر والمسرح موجودين, وحتى فى فترة نجيب محفوظ كان المسرح يحلق فوق الرواية من حيث تفاعله الاجتماعى، ولا أستطيع أن أقول إن مرد ذلك يرجع للظرف السياسى، رغم أن السياسة تسرى فى النسق الاقتصادى والذائقة الجمالية والدائرة المعرفية. لكن فى النهاية، يظل الواقع السياسى فى فترة الستينيات حاملاً لكل وجوه الإبداع، وكان هناك حوار مصرى بين عموم الكتاب المصريين ينتمون لأفكار مختلفة، لكن الظرف السياسى كان يسمح باختبار الحوار بينهم، فوجد المسرح الذى جسد بأعمال طليعية أفكاراً يحاور فيها أفكاراً شائعة فى عموم المجتمع، فكان للمسرح دور لأنه كان يملك إجابة، أما الآن فنحن فى زمن الأسئلة العصية.

قلت فى رواية "الأفندى" على لسان إحدى الشخصيات، إن أى شخص يمكن أن يطبع ديواناً أو عملاً أدبياً، هل هذا يمثل نظرتك للواقع الثقافى؟


لا يجب أن نأخذ نصاً من الرواية ونعتقد أنه يحمل وجهة نظر الكاتب لأن هذا ورد على لسان أشخاص ولكن أجيبك عن السؤال بعيداً عن الرواية، مثلاً لدينا مئات الصحف العربية وكل صحيفة بها ملحق ثقافى، وهذه الصحف تحتاج إلى إبداع تنشره، وتسهيل فرص النشر بهذه الطريقة شىء عظيم، ولكن يجب أن يواكبه نقد جاد يمنهج التذوق، دون وجود هذه المنهجة أنت تصبح أمام أكوان يختلط فيها الغث بالثمين وأنا لا أدعو إلى نقد يمسك بميزان واحد ولكن أدعو إلى مدارس جادة ونقد جاد وليس شرط أن يتفق مع ذائقتى.
انظر مثلاً إلى المجلات الثقافية، لا توجد مجلة واحدة لها مصداقية، مجلة الآداب قديماً عندما كانت تنشر لشخص، كان يبحث عنه المثقفون، كذلك صفحة لويس عوض الثقافية بالأهرام، كان يوجد نقاد على اختلاف مشاربهم وكانوا حراساً يمنهجون التذوق، ومنهجة التذوق تجعلنا أمام فرصة ومساحة لتقبل كل الشطحات الإبداعية وتأطيرها.


المتابع الآن للنقد يرى أنه اختصر فى قراءة صحفية تشبه المتابعة والعرض, السؤال هل الوسط الثقافى يفتقد النظرية النقدية؟

ليست هناك مساحة كافية للنقاد فى الصحف والمجلات العربية على اتساعها, فهناك فى المشهد نقاد "عتاولة " مثل فاروق عبد القادر وصبرى حافظ وعلاء الديب، هؤلاء من الجيل القديم ومن الجيل الجديد هناك مجدى توفيق, أما ما يخص السؤال عن النظرية الأدبية, فالنظرية عادة يصنعها تشابك حوار, فصعب أن تصبح صاحب نظرية إذا لم تشتبك فى حوار مع وجهة نظر أخرى تبلور من خلالها رأيك ويبلور الآخر رأيه من خلالك، فدلنى، لو استطعت، على مكان يتحاور فيه النقاد.


يظهر فى رواياتك ولع بالتاريخ الشعبى وصناعة الأساطير, هل ترى فى التاريخ رغم ما يحتويه من غموض، مفتاحاً لقراءة تحولات البشر والمكان؟


أولاً، أؤكد أننى لا أتعامل مع الماضى السطحى مطلقاً, فلكى تتعامل مع التاريخ يجب أن تعيد البحث، وهذا البحث تقوم به مراكز أبحاث من الممكن أن تطمئن إلى سلامتها وإعادة فرزها لأحداث التاريخ, وبالنسبة للمحة "الماضوية" فى أعمالى، ففى هذه اللحظة التى نعيشها الآن مثلاً، داخلنا هدف معرفى واضح وداخلنا أيضاً أوهامنا وتوهماتنا (عملاها حكايات عائلية مش صحيحة).
وحين نمر فى الشارع، يمر جوارنا أشخاص مسكونون بأوهام عن أولياء وجن وعفاريت, وهذه الأشباح تسكن معنا لحظتنا الحاضرة، وعندما نريد أن نفحص هذه اللحظة الحاضرة، يجب علينا أن نفحصها بكل تفاصيلها، ومن هنا تأتى اللمحة الخيالية التى تعلق أشياءً على ماض مفترض، لكنه ليس استيحاءً للتاريخ ولا استرجاعاً للماضى, فما أفعله هو رصد اللحظة بكل تفاصيلها.

ولكن .. هل مشروعك الروائى يختلف عن أعمال تعاملت مع التاريخ مثل "السائرون نياما" لسعد مكاوى و"أضلاع الصحراء" لإدوارد الخراط و"الزينى بركات" لجمال الغيطانى؟

هذه الأعمال أنجزت وفق تصورات تخص طموح كتابها، وهى علامات بارزة فى الكتابة الروائية، لكنى أنطلق من تصورات مختلفة، فالتاريخ فى أعمالى مزيف ووهمى وفق رؤية أنشدها، فى روايتى( العايقة بنت الزين) أماكن متخيلة وليس لها أصل فى الواقع، كنت أقصد أننا نسير بتاريخ وهمى ونصدقه، فأنا لست "مسجلاتى" أسجل الواقع .

فى عمل مثل "لحن الصباح" وبعض أعمالك الأخرى، هناك جنوح للفانتازيا وصنع أساطير لشخصيات تبدو عادية.

ضربت مثالاً بلحن الصباح، فعندما تكون أمام بطلى الرواية وهما يتحركان طوال الرواية فى يوم واحد ما بين برنامج لحن الصباح فى اليوم الأول واليوم الثانى، فالشخصية الأولى فقدت أطرافها فى الحرب وجسدها غير مكتمل ورغم ذلك روحها "عفية"، فخيط الفانتازيا هنا منبثق من عجزه، أما الشخصية الثانية "نوفل" شخص جسده مكتمل لكن روحه مرتعشة ومضطربة، فما يبرر الفانتازيا هو الشخصيات المؤهلة بحكم التكوين لأن تسكنها هذه التوهمات.

هل هذه الشخصيات، التى تحدثت عنها لها أصول فى الواقع، وأين تكمن منابع هذه الفانتازيا والحكى الشعبى؟

الأساطير تسكننا وتسكن جيراننا وزملاءنا فى العمل، و الخرافة نفسها تسكننا وتسكن الآخرين، ثمة "مس مجنون" يسكن الوجدان المصرى ليساعده على أن يستمر وأن يتعايش، فطاقة الخيال ليست من خارج الواقع المصرى، وقد تكون جزءاً أساسياً من تكوينه، فعدد قراء الكف والمشتغلين بالتنجيم والأعمال فى المدينة جاوز أعدادهم فى الريف.


جاءت أولى رواياتك "خافية قمر" فى التسعينيات، ومعظم الكتابات التى اتسمت بها هذه الفترة كانت تحمل "أجندة" فرضتها التحولات الخاصة بهذا الجيل، كيف ترى مشروعك الذى بدأ ضمن تيار التسعينيات؟

أظن أن مشروعى كان مختلفاً، وهذا الاختلاف ناجم عن وجهة أخرى للمعرفة، وإحساسى أن الأشكال السائدة لا تستوعب أسئلتى الروائية، ومن هنا الأجواء التى دارت فى عقلى استدعت شكلها وأدواتها، وقد تم ذلك بالمصادفة بحكم تكوينى وطموحى الخاص, وليس بناءً على اختلاف من أجل الاختلاف.


قلت قبل الحوار إن هناك واقعة غريبة حدثت أثناء كتابة "الأفندى"، ما هى؟
"الأفندى" كتبت فى أربع سنوات ثم فقدت منى تماماً، حيث ألقيت نسختها الورقية فى صندوق القمامة من باب الخطأ، ثم أعدت كتابة "الأفندى"، لكن بكتابة مختلفة.
وبعد أن نشرت الرواية، تفرغت لمراجعة عمل آخر اسمه "ليلة سفر"، وهو عمل مكتمل ونشر فى جريدة المصور منذ 4 سنوات، وفوجئت وأنا أقلب هذه الأوراق بجزء من رواية الأفندى المفقودة موجود بين صفحات "ليلة سفر"، أفكر فى نشره كعمل أدبى مستقل.

أنت تنتمى للقرية، كيف تنظر للمدينة كروائى ومثقف شاهد على تحولاتها؟
رأيى أن الريف ليس هو القرى الصغيرة البعيدة فى الأقاليم، القاهرة أيضاً "تتأريف" وتتحول إلى مجتمع ريفى، فالقاهرة تسكنها كمية من الخرافات أكثر مما تسكن القرية، ونسبة التهميش فى المجتمع القاهرى كبيرة، أنا لست حريصاً على واقعية سياسية أو جغرافية، لأن الرواية تبتدع مكانها وإن أوهمتك بأن المكان حقيقى، فهذا شأن الكاتب وما يدور فى مخيلته من وهم إبداعى.

ما رؤيتك فى كتابات تحمل مفهوم الجسد والرواية الذهنية؟
هذه الكتابات أصنفها بأنها كتابات "ملهمة" وليست مبدعة، فهى تطرح محاولات وتجارب، وأرى أن من الضرورى وجودها لتنويع المشهد، وللتاريخ دور مهم فى "غربلتها وتصفيتها", فالكتابات الآن كثيرة, وللعلم أنا أثق فى ذائقة الجيل الجديد وعليه عبء هذا "الفرز"، وأجمل النقد عن أعمالى سمعته من شباب.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة