حنان كمال

مشاغبات صغيرة لا تصلح العالم

الجمعة، 27 يونيو 2008 12:22 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
متى كانت مصر جميلة؟ يعتقد الستينيون أنها الستينيات، يحكون لك عن زمن العزة القومية والعدالة.. عبد الناصر وجماليات الثورة، السبعينيون سيحدثوك عن الحركة الطلابية وعن عبد الحليم، وربما تجد من يحدثك بفخر عن أيام بورسعيد والسوق الحرة وخفة دم السادات وأحلام الرخاء، أما عواجيز ما بعد الحرب العالمية الثانية فيتذكرون أيام الرخص و"الروقان" والبلد التى كانت أجمل من أوروبا، لكل الناس زمنهم الخاص بهم، ذلك الذى اعتقدوا فيه أنهم امتلكوا العالم فى قبضة يدهم وأن بإمكانهم تغييره، أنا شخصيا أنتمى للتسعينيات، لا أعرف لماذا كان العالم جميلا وقتها لكننى رأيته جميلا، كنت وقتها فى الجامعة وكنت أنتمى لبقايا الحركة الطلابية وكنت أعتقد أن النهر مازال له مجرى نحو المصب.. لم أكن أدرك أن ماءه يتفرق، كانت مصر جميلة.. لكنها متى كانت جميلة حقاً؟؟.
سؤالى فجرته مسى الإثيوبية التى قالت لى إنها أحيانا ترى مصر جميلة جدا وأحيانا قبيحة جدا، قلت لها نظريتى الأثيرة فى هذه المرحلة، إن مصر جميلة جدا لكنها فى العام الفائت صارت فى أسوأ أوضاعها وأن كل هذا بسبب نظام الحكم بها، ابتسمت هى وقالت لى إن كل الحكومات سيئة..
مازلت أصدق أن الأوضاع فى مصر صارت جحيما لا يحتمل خلال سنة أو اثنتين على الأكثر، أتحدث مع الكثير من أصدقائى حول مصر ونخلص دائما إلى أنها فى العام الفائت صارت بلدا غير الذى نعرفه، فى الحقيقة لا أعلم تحديدا ما الذى حدث فى هذا العام لكننى أستشعره بقوة، المشكلة الحقيقية أننى أصدق كلام مسى أيضاً، أن كل الحكومات سيئة وأن العالم كله صار قبيحا، منذ أيام كنت أتحدث مع زوجى عن عبد الناصر ونهرو وتيتو، لسنا ستينيين بالطبع لكننى كنت أتأمل كيف انتهت تجارب الحالمين بعالم أفضل. وأتأمل حالى: إلى أى مدى أنا محبطة.
أتذكر وعدا قطعته لأبى وأنا فى أقصى حالات النضال فى الجامعة، وعدته ألا أعرض الأسرة لفضيحة أن يتم اعتقالى، وهو ما حافظت عليه بالفعل، وظل أبى يستمتع معى بحواديت المظاهرات و"النط" على سور الجامعة والمشاغبات القليلة التى كنا نلهو بها والتى بدا أنها لا تضر ولا تفيد، أدركت أن العالم لن يتغير طالما أننا نلهو ولا نجرؤ على تقديم ما هو ضرورى للتغيير، بعد عشرين عاما أدركت أيضا أن ما هو ضرورى للتغيير قد يتجاوز حتى الاعتقال وربما الموت، فالمعتقلات مليئة بالذين يدفعون الثمن من جوانتاناموا لـ"أبو غريب" لسجن "طره"، أدركت أنه حتى جيفارا وعبد الناصر ونهرو وتيتو لم يغيروا العالم، ربما كان العالم يستحق بالفعل رجلا أحمق كجورج بوش، وربما كانت مصر تستحق ما هى فيه، أدركت أنه ربما لم تكن مصر جميلة أبدا ولا كان العالم يستحق البقاء فيه. الحقيقة التى صدمتنى أكثر أنه قد استغلق على الأمر، فلم أعد أعرف ما الذى ينبغى أن أقدمه أو يقدمه الآخرون من أجل التغيير.. تذكرت هذا وأحد أصدقائى يرسل لى قائلا "سنحاول تغيير مصر إلى أن تعودى"، إذن لن أعود.. فأنا لم أفعل شيئا يجعلنى أستحق هذه العودة.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة