أتصور أن من بين الأسئلة المعلقة فى سماء بلادنا، التى لا تجد جواباً شافياً - وهى عديدة لدرجة إصابة الناس بالإحباط - هو السؤال حول وزارة التربية والتعليم عموماً، ووزير التربية والتعليم بشكل خاص.. فقد صاحب امتحانات الثانوية العامة من الفضائح، ما تكفى واحدة منها لينسحب الوزير من منصبه، وأن يتحول إلى مواطن حريص على هذا الوطن، فيعد دراسة عميقة وشاملة وواعية لكل أو أهم الثغرات التى تعترى نظامنا التعليمى.. تمزقت قلوبنا مع مشاهد الطلبة المصدومين، والإحباط الذى أصابهم ودفع البعض منهم إلى الانتحار، وسكننا الخجل "الوطنى"، ونحن نتابع فصول بيع أسئلة الامتحانات لأصحاب النفوذ والثروات وداهمتنا حسرة على مستقبل بلد، يصعد أبناؤه بالغش ويشجع الآباء أولادهم على متابعة الدرب المضمون "والحط" من قيمة الاجتهاد والعمل والأمانة والشرف، وفوق كل هذا وذاك.. الجودة..
ويكفى أن ننظر حولنا لندرك مدى التدهور، الذى حدث نتيجة إهمال عناصر النجاح الفعلية والاعتماد على "الفهلوة والوساطة والمحسوبية وطبعاً.. الغش".. فعلى الصعيد الداخلى تراجعت سمعتنا فى كل المهن الصغيرة قبل الكبيرة وإلى درجة أننا بتنا "نستورد" العمالة الماهرة وربما نصف الماهرة من الخارج، ومن ثم تتفاقم مأساة البطالة وكل ما يتصل بها من مآسٍ وهى معروفة للجميع وتسجلها يومياً صفحات الحوادث الرهيبة والمرعبة.. أما فى الخارج المحيط بنا وهو الوطن العربى، فقد أصبح المصريون عملة رديئة باستثناءات قليلة جداً، وهو ما يعنى إغلاق أسواق عمل كانت مفتوحة لأكثر من سبب أحدها بلا شك "سمعة" المصرى فى سوق العمل.. وإذا انتقلنا إلى الخارج بالمعنى الأجنبى، أى دول أوروبا فإن القارة العتيقة أصبحت تعطى الأولوية "لفقرائها" أو "لكوادرها"..
من دول أوروبا الشرقية تطبيقاً لمبدأ الجار أولى بالشفعة، والأقربون أولى بالمعروف، أى أنهم وضعوا "الشعارات" التى نرفعها ولا نطبقها التطبيق الفعلى، وفى حال ما إذا كانوا بحاجة إلى شخص غير أوروبى، فسوف يكون شخصاً نادر التخصص مثلاً، أو ذا مهارة متحيزة تتفوق على قدرات العاملين الأوروبيين، وتجسيداً لهذه التطورات ما نشهده من مآسٍ، وكوارث يدمى لها القلب ويندى لها الجبين، وأقصد غرق شبابنا فى بحار الوهم والموت فى مياهها القاسية حيث تلتهم جثثهم الأسماك..
والخواطر كثيرة وتطبق على الأنفاس، لكن من بين ما يضاف إلى أثقالنا ما كشفت عنه الصحف مؤخراً بصدد امتحان الميكانيكا، والذى دفع بالطلبة فى لجان الثانوية العامة بحلوان إلى التهديد بالاعتصام، لأن هؤلاء الضحايا - ضحايا أوضاع وأمور كثيرة - عجزوا عن فك طلاسم الأسئلة، وأكد ذلك مدرس أول رياضيات بإحدى مدارس وزارة التربية والتعليم "أن المسألتين الثالثة والخامسة لا يوجد حل لهما لأن هناك خطأ فى صياغتهما" وأكد كذلك "استحالة أنه يتمكن حتى الطلاب المتميزون من الإجابة عن الامتحان فى ساعتين فقط".. وما يرشح عن هذه المسألة أن المدرسين أنفسهم دون المستوى، وأن الطلبة يتعرضون لتجريف نفسى من أخطر ما يمكن، فلا يطالبهم أحد بالثقة فى وطن أو قيادة.. ووسط كل هذا الحريق يظهر وزير التربية والتعليم لشرح أسباب الكوارث، بل ويغسل يديه منها لأنها "سبقت" ولايته كالعادة يعنى. المسئولية على من سبق حتى وهو فى قبره وليس على "الكرسى!!"
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة