منذ أكثر من أربعين عاماً ولا تجد فى وسائل الإعلام المصرية، إلا بكائيات الخامس من يونيه عام 1967، وكأن الحياة توقفت عند هذا اليوم، والغريب أن المرء نادراً ما يجد بحثاً متعمقاً للدور الأمريكى، خاصة والغربى عموماً فى إنجاح العدوان الإسرائيلى ،وأنه لولا هذا الدعم الكامل ما كان لإسرائيل أن تحقق ما حققته، دون إغفال العوامل الداخلية الأخرى، مثل نوعية المسئول الأول عن الجيش أو انعدام الديمقراطية، بحيث حجبت أى صوت مخلص ينبه إلى خطورة مراكز القوى، والتى لا تجثم على الصدور وتمنع الأنين من الوصول إلى الشفاة فحسب، بل كانت تحتكر "حب مصر.. ومعرفة مصالحها" أكثر من أى مواطن مهما علا شأن تفكيره وخبرته وحبه لبلاده.. نعم كانت هناك سلبيات كان يصعب أن تحول دون وقوع الهزيمة، ولكنها قطعاً فى ظل ظروف مغايرة كان يمكن أن تكون أخف وطأة.
أى انتقاء المسئولين على أسس الكفاءة والخبرة والإدراك للمحيط الإقليمى والدولى، وإطلاق حرية التعبير بحيث يصل إلى صاحب القرار الوضع كما هو فعلاً، ويتم فضح القصور والتقصير - وعلى سبيل المثال لا الحصر، أتيح لى فى الخارج قراءة عشرات وربما مئات الكتب والتحقيقات، أحدها مثلاً كان به حوار بين شخص ـ لا أذكر منصبه أو مهنته ـ سأل وزير الحرب الإسرائيلى موشى ديان عقب احتلال إسرائيل للأراضى العربية: متى ستنسحبون؟ فأجابه ديان: نحن نُعد لهذا اليوم منذ أحد عشر عاماً ـ أى منذ عدوان 1956 وتريد منا الانسحاب؟
أيضًا قرأت أن وزير خارجية إسرائيل طلب من نظيره الأمريكى أن يبلغ بعض دول المنطقة؟ شكر إسرائيل لمساعدتهم إياها فى تحطيم عبدالناصر!! وكذلك نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية فى أواخر التسعينيات أن 24 طياراً فرنسياً، قلدوا أوسمة لمساهمتهم فى قصف مصر عام 1967، هذا غيض من فيض - لكننى أعجب لكون كل ناصبى مناحة الخامس من يونيه لا يوجهون ولو عتاباً بسيطاً للدولة المعتدية.
والأخطر أنهم يعتبرون أننا مازلنا نعيش الهزيمة، لا أحد منهم يشير ولو بأصبعه الصغير إلى حرب الاستنزاف التى أذاقت إسرائيل الأمرين، ولا أحد يتحدث عن حرب أكتوبر التى زلزلت قناعات إسرائيلية بأننا لن ننهض أبداً من كبوتنا ـ بل تستمر "المندبة" بإصرار لا يلين، وكأنهم يستنكرون على شعب مصر أن يكون شعباً قادراً على محو عار هزيمة طارئة ولها أبعاد عديدة. مثلما نهضت دول كثيرة من رماد الهزائم، ومنها فرنسا وألمانيا واليابان والصين وإيطاليا.
بل تسمعهم أو تقرأ لهم فتظن أننا الدولة الوحيدة التى هزمت فى معركة أو حرب أو أى وصف يريدون، ومن أهم الأمور بل أهمها على الإطلاق فى نظرى هو ما حدث فى التاسع من يونيه، والذى لا يحظى بإشارة ولو بسيطة ويتم تجاهله تماماً حتى يتكرس الشعور بالدونية، وتترسخ هزيمة الروح ودعونا من الحنجورية والقومية وربنا "مايجيبش معارك" وانزعوا كلمات "الصمود والمقاومة والإيمان بالوطن" حتى لا نعود - لا قدر الله - وندرك حجم إسرائيل والذى ظهر جلياً فى عدوانها الغاشم على لبنان الشقيق فى يوليو من عام 2006، وفى كل الأحوال، فاللوم يقع علينا نحن المعتدين على إسرائيل المسالمة، والتى لا تحب لنا سوى الخير.. المهم.. أن التاسع من يونيه يحتاج إلى قراءات جديدة، تفوق بمراحل عدد القراءات التى تتكرر فى ذكرى الخامس من يونيه منذ عشرات السنين.
ومن بين قراءاتى أن هذا اليوم قلب قواعد اللعبة تماماً .. فقد طمأنت أجهزة الكمبيوتر كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل إلى النتائج! هزيمة عسكرية ساحقة وظفت فيها واشنطن كل وسائلها من تسليح إلى خبراء وطيارين إلى أجهزة تشويش السفينة ليبرتى، التى كانت قرب شواطئنا وقامت بالتشويش على أجهزة اتصال الجيش المصرى، ووظفت فيها إسرائيل - كالعادة - آلتها الدعائية العاتية لتحول عدوانها الأثيم إلى "دفاع عن النفس"، تماما كما نرى الآن "دفاعا عن النفس" فى الأراضى الفلسطينية المحتلة! لكن شعب مصر ومعه كل الشعب العربى "حطم" عمليا أجهزة الكمبيوتر، ونزل إلى الشوارع بالملايين ليقول لا للهزيمة، ويؤكد لا استسلام للعدو مع قسم بأخذ الثأر ،وهو ما اعتبره أول قرار شعبى جامع بالعبور!.. ولولا التاسع من يونيه لتأخر العبور سنوات وسنوات، وأريد بالمناسبة أن أذكر أصحاب نظرية "تمثيلية" التنحى بشعار رفعه شعب مصر فى وداع عبدالناصر عندما قال: تسعة وعشرة أيدناك .. ويوم الإسراء ودعناك .. يفصل بين الحدثين الكبيرين ثلاثة أعوام .. ولواشنطن وتل أبيب - الكمبيوتر لا قلب له ولا مشاعر ولا وطن!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة