لا يكف الرئيس الأمريكى جورج بوش عن ترديد الأكاذيب، التى تتحدى الواقع بدرجة تثير الغليان، ويواصل افتراءاته حول دور بلاده فى نشر الديمقراطية لدرجة تثير الغثيان.. والكارثة الحقيقية تكمن فى تقييم الشعب الأمريكى لإداراته.. فهو لا يقبل بأى حال من الأحوال أن بلاده تريد وتسعى إلى ابتلاع العالم أصدقاء وأعداء، وأن يسلم الجميع "مفتاح الكرار" إلى بوش والاحتكارات الرهيبة التى تساند سياسته، أو قل التى ينفذ هو سياستها.. فآخر سخافات جورج بوش أنه سينشر الحرية والديمقراطية فى العالم بعساكره!
وهذا هو التغيير الأكبر وربما كان هذا هو "الاعتراف" الذى تأخر طويلاً وتستر خلف شعارات الحرية والديمقراطية، فهذه الشعارات استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية طُعماً للنخب والشعوب المقهورة، عندما لم تكن منفردة بالعالم وقبل أن يعترف لها الجميع بأنها القوة الأعظم التى يعمل لها ألف حساب، والتى لا يحق لأحد أن يسألها عن تدخلاتها فى كل كبيرة وصغيرة فى صميم الشئون الداخلية لبقية الدول.
أما وقد تحقق الحلم الأمريكى بالاستفراد بالعالم فلم يعد بوش يرى أى داع لإخفاء النوايا، وبالتأكيد يستحيل أن يدافع أحد مهما أوتى من قدرة على التزييف والتزوير وقلب الحقائق رأساً على عقب عن نشر الديمقراطية، بل وكذلك "الحرية!!" بقوة السلاح فى الوقت الذى تملأ فيه واشنطن وحلفاؤها الدنيا بصراخ وعويل من أفعال الإرهابيين الإجرامية. إن "الإرهابى" المفترض يعيش تحت تهديد القتل والتشريد والتهميش ومسخ الهوية، ومع ذلك تنكر عليه أمريكا وحلفاؤها أن يصرخ ألماً أو حتى أن يفيض به الكيل ويلقى حجراً، فإذا ما جعلوا حياته أقسى كثيراً من الموت بحث عن النهاية بطرق وأساليب مأساوية..
لكن هل يقاس الفعل الإرهابى الفردى، مهما كانت قوته بما يفعله بوش وحليفه أولمرت فى كل مكان شاء الحظ العاثر أن تعيث فيه قواتهما قتلاً وتدميراً!، إن الرئيس الأمريكى توهم أن بقية العالم مثله مثل شعبه لايزال يصدق أن أمريكا طيبة! وتريد الخير للبشرية.. ولو اطلع الشعب الأمريكى المحاصر بإعلام بالغ السطوة على شهادات ضباط وجنود حاربوا فى العراق، لهاله بشاعة ما يقترفونه وشراسة جرائمهم، وهو ما سيكشف عنه إن عاجلاً أو آجلاً تماماً، مثلما حدث فى فيتنام حيث ظلت نغمة "الحوادث الفردية" لوصف جرائم العسكر الأمريكان هى النغمة السائدة والتى "تريح" ضمائر الأمريكيين، وفى هذا المجال يقول أحد أعضاء جمعية قدامى المحاربين فى العراق، لقد عدنا نواجه نفس الوضع الذى كان إبان حرب فيتنام.. فالشعب الأمريكى مستاء فى أغلبيته الساحقة من حرب العراق، ويأمل فى الخروج منها، ولكن لقد شب الأمريكيون وتربوا على فكرة أن أمريكا بلد طيب!..
وأعتقد والكلام للعضو نفسه أن تنبيههم إلى البشاعة التى يرتكبها باسم أمريكا وتوعيتهم، بات أمراً أصعب بمراحل من تجاوز العقبات التى تقف فى سبيل الجلاء عن العراق.. وكأن المحارب القديم قد أراد استباق كذبة أخرى لرئيسه الذى يرفض تحديد جدول زمنى للرحيل عن صدور العراقيين.. فبعد ما كانت الحجة "أسحله الدمار الشامل" ثم إقصاء صدام حسين، وبعد ذلك إقامة الديمقراطية بالقوة المسلحة وإلى أن لقى نحو مليون عراقى حتفهم، وتشرد الملايين وتيتم الملايين وانتشر الفساد والفقر فى بلاد ما بين النهرين، اخترع بوش أنه وحباً فى العراقيين وعشقاً للحرية والديمقراطية، لن يغادر قبل القضاء على الإرهاب وهو يعنى طبعاً، بعد نضوب النفط وآهو كله تجفيف منابع!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة