إسلام عزام

"حسن ومرقص" يحذر من الفتنة الطائفية.. ولا يحلها

الإثنين، 14 يوليو 2008 12:10 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
السؤال الذى أغفله معظم من انتقدوا فيلم حسن ومرقص، هو هل يقبل المجتمع مسيحيوه ومسلموه بمناقشة جادة لأزمة الوحدة الوطنية فى مصر؟ وهل تقبل الكنيسة نفسها بالتخلى عن بعض صلاحياتها لصالح مؤسسات الدولة؟ للأسف أحيانا ننسى فى خضم انزعاجنا من مأزق ما، أننا أمام فيلم سينمائى من الظلم تحميله وحده، مسئولية طرح قضية شائكة كالفتنة الطائفية بكافة أبعادها السياسية والاجتماعية.

لكن هذا لا يعنى أن القبول بتبسيط الأمر لحد تسطيحه، وهى المشكلة التى عانى منها "حسن ومرقص" للكاتب يوسف معاطى والمخرج رامى إمام. فالفيلم اكتفى بتحميل المتطرفين، سواء من المسلمين أو المسيحيين المسئولية الأولى والأخيرة فى اندلاع بوادر الفتنة الطائفية فى مصر، متجاهلا مسئولية الحكومة وكذا المؤسسات القبطية. بل إن الفيلم ذهب إلى التأكيد على أن مسئولية الدولة عن تجاهل تطبيق مبدأ المواطنة إلى أنها مجرد أقاويل يرددها المتطرفون المسيحيون. أما الأكثر خطورة هو إرجاع أسباب تفجر أحداث العنف الطائفى فى مصر للضغائن الشخصية بين طرفين، والذين يتصادف أن أحدهما مسيحى والآخر مسلم، كما حدث أثناء مشاجرة الشاب المسيحى إدوارد مع الشاب المتنكر فى زى مسلم على الفتاة التى وقع كلاهما فى حبها.

ومع هذا فرسالة الفيلم واضحة تماما، هناك أزمة وصلت لحد رفض كل طرف للآخر، وحلها فى إيجاد صيغ مشتركة للعيش. مشهد النهاية كان بالغ الدلالة، المسيحى والمسلم كلاهما يتحمل تبعات الأزمة، فكل منهما يتلقى الصفعة على وجهه من مفجرى الشغب. تماما كما كانت بداية الفيلم تؤكد على ذات المعنى، فأستاذ اللاهوت بولس يواجهه خطر التهديد بالقتل من قبل المتطرفين المسيحيين، كما أن العطار المسلم محمود يواجهه نفس الخطر من قبل المتطرفين المسلمين.

هنا تحديدا تبدأ أحداث الفيلم، حيث يتدخل الأمن لحماية الشيخ والقس، فيتحول القس النجم عادل إمام لرجل مسلم والعكس مع الشيخ محمود الذى قدم دوره برونقه الأبدى عمر الشريف، بالطبع فإن الفيلم لا يخلو من كوميديا تولدها المفارقة التى حولت القسيس لرجل دين مسلم، يطالبه أهالى القرية بأن يؤمهم فى الصلاة. ورغم أن هذه الكوميديا استغرقت زمنا أطول مما ينبغى، إلا أنها تأتى من عادل إمام صاحب الحضور المميز. لكن هذا لا ينفى أنها تحولت فى النهاية لمبالغة صارخة عندما هتفت القرية تطالب بالإفراج عن الشيخ الوافد لقرية منذ أيام قلائل، وهذه المظاهرة تحديدا هى التى تدفع بالقس المتنكر للعودة مرة أخرى للقاهرة ليجاور الشيخ المتنكر فى زى مسيحى. ليقدم مخرج الفيلم واحدا من أروع مشاهده على الإطلاق، عندما تتداخل نغمات التراتيل المسيحية فى صلاة التبريك مع صوت المقرئ يرتل الأوردة ويتصاعد البخور من الشقتين المتجاورتين، لافتا نظر المتطرفين الأقباط والمسيحيين إلى أن الابتهال إلى الله واحد حتى وإن اختلفت الأساليب.

ربما استسلم المخرج قليلا لمد خط الكوميديا فى الفيلم على استقامته منافيا للمنطق، لكنه خطأ يشاركه فيه أيضا السيناريست الذى لم يبذل مجهودا لإيجاد حلول درامية أخرى يعالج بها أحداث فيلمه، فكما هو الحال مع تحول رجل الدين المسيحى لرجل دين مسلم فى خطأ فادح يرتكبه ضابط أمن الدولة عزت أبو عوف، بدا هذا الضابط نفسه كشخصية خرافية لا تمت للواقع بصلة، يعانى أثناء عثوره على قنبلة من مسئوليته تجاه من يخفيهم بتغيير هويتهم، ويعانى أيضا من مشكلات عائلية نتيجة غيرة زوجته غير المبررة.

خطأ آخر وقع فيه الفيلم وهو تقديم الشباب من الطرفين المسلم والمسيحى، على أنهم ربما يكونون أكثر تسامحا من الجيل الأكبر، بدا هذا من قصة الحب بين الشاب المسلم والفتاة المسيحية فى الجامعة، وكأن صناع الفيلم لم يعرفوا أن بعض الشباب القبطى هو الذى طالب بالتدخل الأمريكى فى مظاهرة الكاتدرائية قبل عامين. رغم كل ذلك لا نستطيع أبدا إنكار أن فيلم حسن ومرقص كان له السبق فى مناقشة واحدة من أخطر المشكلات التى نعانيها اليوم، ومن هنا يكتسب أهميته حتى وإن جاءت معالجة الفيلم مخيبة لآمال المنتبهين لقرب انفجار طائفى فى مصر. وأغلب الظن أن سيكون بداية لمناقشة جادة لهذا المأزق، بعيدا عن التزييف الحكومى للواقع والزيارات المتبادلة بين البابا شنودة وشيخ الأزهر والتشدق ليل نهار بكعك العيد المتبادل بين الأقباط والمسلمين فى مصر.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة