حمدى الحسينى

محاكمة رئيس!

الثلاثاء، 15 يوليو 2008 01:09 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لست من أنصار التدخل الخارجى على الطريقة الأمريكية فى العراق، وأفغانستان وغيرها، إلا أننى فى نفس الوقت أتحمس لوجود آلية دولية للتصدى لأنظمة الحكم الدكتاتورية، وردع الحكام الطغاة الذين يحكمون شعوبهم بالحديد والنار، بشرط أن تتقاطع المصالح الوطنية للشعوب مع مصالح القوى الخارجية.. أدرك تمام الإدراك أن القوى الخارجية عادة لا تغامر بالتدخل فى المناطق الملتهبة، من أجل سواد عيون الشعوب الأخرى بل إن محركها فى مثل هذه الأمور تكون مصالحها ونفوذها بالدرجة الأولى.

وأعلم مسبقا أن رأيى فى هذه القضية، ربما يكون صادما وحادا، ويسير عكس الاتجاه السائد فى منطقتنا، بل والمؤكد أنه لا يلقى ترحيبا ولا تأييدا من كل دعاة الفاشية، وعشاق الدكتاتورية، ومطربى حكم الفرد. عموما أتحدث عن الرئيس السودانى الفريق عمر البشير، الذى يتعرض هذه الأيام لحملة تهدف إلى تقديمه للمحاكمة، فى ضوء ما يروج له المدعى العام فى المحكمة الجنائية الدولية بتوافر أدلة ووثائق، تثبت تورطه الشخصى فى تنفيذ جرائم بحق مواطنيه من سكان إقليم دارفور غرب السودان.

ربما تكون هى السابقة الأولى، على الأقل بالنسبة للعالم العربى، أن يتحول فيها رئيس دولة إلى "متهم"، فى منطقة تعودنا فيها على أن حكامها أنصاف آلهة مقدسون، لا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم، يخطئون بلا حساب، يزورون الانتخابات بلا رقيب، يعتقلون معارضيهم بتهم ملفقة، يقتلون من ينازعهم الحكم بدون محاكمة، يحيون ويميتون بإشارة من أصابعهم الملوثة بدماء الأبرياء، هكذا نشأنا وتربينا على أن من يصل إلى كرسى الحكم، لا ننتظر مغادرته ولا يمكن مساءلته ولا تجوز محاكمته.

يبدو أن هذا العصر انتهى وولى إلى الأبد، وبدأت صفحة جديدة من العلاقات الدولية تسمح باصطياد الطغاة بسهولة، وملاحقة الجبابرة عبر قنوات دولية، هذه الصفحة الجديدة يمكن فيها إجراء محاكمات لكل حاكم مستبد تسول له نفسه الانفراد بوطنه، بعيدا عن أعين العالم أو يستقوى على شعبه مهما أوتى من قوة.. الآن فقط أصبح الطغاة معرضين للسقوط فى يد العدالة، بل وربما يكون مصيرهم هو نفس مصير ضحاياهم.

بصرف النظر عما يخططه الغرب للسودان، وبعيدا عن "ازدواجية" المعايير و"الانتقائية" فى التعامل التى تقع فى براثنها قوى غربية عديدة، خاصة عندما يتناولون ملفات تخص الدول العربية والإسلامية. بعيدا عن كل ذلك، هذا التوجه الجديد يبقى خطيرا لأنه يؤذن ببداية عصر، سوف يراجع الطغاة أنفسهم أكثر من مرة وهم يصدرون أوامر التعذيب والقتل، وسيراجع الكثيرون منهم مواقفه قبل أن يهم بالتوقيع على قرارات الاعتقال العشوائية.. هناك من يقول بإن الطغاة سوف يلتفون على هذه التوجهات الجديدة عبر ابتكار حيل وأساليب تجنبهم الملاحقة الدولية وتوريط غيرهم فى العمليات القذرة، أو يتجنبوا التوقيع على وثائق تدينهم، سيتخذون كل وسائل الحيطة والحذر من الوقوع فى يد العدالة، مع هذا تبقى حقيقة أن قدسيتهم لم تعد قائمة وأن نهاية المتورطين منهم أوشكت على الاقتراب، وأن عدد الديكتاتوريين سيكون فى تراجع، وأن بعضهم مرشح للاختفاء بلا رجعة.

أتصور أن الرئيس السودانى لن تتم محاكمته، بل ربما يتحول إلى ضحية "للمؤامرة" الغربية على العرب والمسلمين! لكن المؤكد أنه ربما يكون آخر حاكم عسكرى يحكم السودان.. أظن أن أول من سيدافع عن محاكمته هم أقرانه من الحكام العرب، وأول من سيقوم بـ "الوساطة" لمساندته والدخول فى صفقات ومساومات لمنع استهدافه "المشكوك" فيه، هم زملاؤه الأعضاء فى مؤتمر القمة العربية. أنتظر بشوق الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، الذى دعت إليه الحكومة السودانية.. ترى ماذا يمكن أن يقولوا أمام هذه الكارثة التى لم يتوقعها أحد؟.. قبل أن ينعقد الاجتماع المرتقب يمكن أن أجتهد فى وصف موقفهم من الأزمة. أولا سوف ينقسمون إلى ثلاثة اتجاهات.

الأول سيستنكر الموقف بشدة ويدعو المجتمع الدولى "للتعقل" ومراجعة قراراته المتسرعة، والثانى سيدعو إلى اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وتجميع أكبر عدد من أصوات دول العالم الثالث المعرض حكامها إلى المحاكمة وتشكيل موقف أممى موحد فى مواجهة الدول المتقدمة، أما الاتجاه الثالث والأخير ربما يضحى بالسودان إذا شعر بأن هناك جدية فى تنفيذ قراراتها بحق الرئيس البشير، هؤلاء ربما يختبئون خلف الحياد تجنبا للصدام مع الدول الكبرى.

أمام هذا الموقف الخطير والمعقد، هناك سيناريوهات عديدة تنتظر السودان الشقيق الذى يقف فى مفترق طرق، إما أن ينجو من هذا المأزق ويعود قويا موحدا يصبح خلالها الرئيس البشير زعيما شعبيا، وإما أن تشتعل الحرب الأهلية وتعم الفوضى وتنضم السودان إلى الصومال، وعندها يكون الباب مفتوحا لكل الاحتمالات.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة