جمال الشناوى

أقباط التطرف.. وأئمة الفتنة

الجمعة، 25 يوليو 2008 12:18 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أحد ينكر أن سنوات عودة العمالة المهاجرة من الخليج إلى مصر، خلفت الكثير من المال وزادت أرصدة الدولة من العملات الصعبة.. لكن الأصعب من وجهة نظرى، هو ذلك الرصيد المدمر من الفرز الدينى بين أفراد المجتمع، وخاصة من الأمهات العائدات بالدولار والنقاب الذى يغطى على القلوب أكثر مما يخفى من الجسد.. كل أم أو زوجة كانت تمسك بأيدى أطفالها وهى تغادر المطار إلى منزلها وتلقنهم ثلة من النصائح، بدءاً من عبور الطريق.. وحتى تجنب الأطفال الاختلاط بالنصارى وعدم الحديث معهم فهم ليسوا "من ديننا".. ونبيهم غير "سيدنا محمد"، ترسخت مفاهيم أخطر على بلادنا من الفقر الذى كان سيحاصر هؤلاء المهاجرين إلى دولارات الخليج، وخاصة السعودية موطن الوهابية الأكثر تشدداً.
وبين ليلة وضحاها زاد عدد من يزرع الشقاق بين المصريين, وتراجعت سمات التآخى فى الأحياء الشعبية بشكل خاص، وبعد أن كان "حق الجيرة" من المقدسات.. التى تتساوى مع تعاليم من الأديان.
كل هذا تحول إلى ما يشبه السوس الذى ينخر جسد المجتمع, واكتملت الصورة القاتمة بالتساهل السياسى والقانونى مع جماعة انتهازية محظورة منذ نصف قرن.. ودخلت الدولة التى تلاعبت بالدين هى الأخرى فى السبعينيات, فى حرب مسلحة لحماية المصريين من شرور التطرف والإرهاب.. واستسهل الحزب والحكومة الحل الأمنى مع قليل من الحوارات القشرية مع الفكر المتطرف.. التى لا ترد عقلاً جانحاً إلى صوابه, ولا تسمن فكراً معتدلاً ليقوى على مواجهه التطرف.. كل هذا كان كافياً لرسم صورة مهتزة للمجتمع المصرى.
وباتت الحدود قاسية بين المسلم والقبطى.. تمنع عبور حتى مشاعر الحب التى تجرف قلوب الشباب أحياناً.. القلوب التى لا تميز بين الجنس والدين.. وبعد أن كنا نسمع عن زيجات مختلطة ناجحة، لم يعد مسموحاً "بالاقتراب أو الحب" وأصبح الحب وقوداً للفتنة الطائفية بين الأقباط والمسلمين، وأرجعوا إلى أحداث كثيرة وقعت فى الصعيد وبحرى, والغريب أن المسلم أو القبطى عندما يسافر إلى العالم المتقدم لا يجرؤ من فرط الحرية على إجبار قلبه على التمييز والزواج.
بلادنا تمر بفترات هى الأكثر انفتاحاً وباتت الوقفات الاحتجاجية أقرب الخيارات, للفلاحين فى المزارع والعمال فى المصانع.. ومع ذلك هى الأكثر خطورة, فهناك من يعتقد يستشعر ضعف الدولة.. فقرر الاستقواء بالخارج.. تحقيقاً لمصالح شخصية أو طائفية. شاهدنا رجال سياسة يسعون لإرضاء وزيرة الخارجية الأمريكية قبل خارجية بلادهم.. وعلى أحد أركان صورة الاستقواء نجد بعض منظمات المجتمع المدنى، التى تعد تقارير هى بالأساس تسترضى الخارج.. ولكن الأخطر من وجهة نظرى، هو استقواء طائفة من المصريين بالغرب, لأن هذا الاستقواء صنع حالة من الاحتقان فى قلوب الطائفة الأخرى .. بعض الأقباط الذين سافروا إلى الخارج بحثا عن حياة ناعمة, وأموال سائلة كالشلال باتت كل مصالحهم الاقتصادية فى التعيش من تضخيم وإعادة قراءة بعض الحوادث العادية بصوت طائفى أمام الميديا فى الغرب، هؤلاء يزرعون التطرف. أقباط المهجر تظاهروا فى باريس فى استقبال الرئيس مبارك.. هدفهم إحراج الرجل الذى بات المتطرفون على منابر الفتنة يتهمونه بمجاملة الأقباط، فهو الذى ألغى الخط الهمايونى.. وهو الذى جعل عيدهم عيداً للمصريين، وأصدر قراراً باعتباره عطلة رسمية وهو ما يراه المتطرفون فوق المنابر تعاطفا مع الأقباط أكثر مما يجب، وما يجب فى نظر هؤلاء هو فرض الجزية على كل قبطى. المتطرفون فوق المنابر يرون مبارك متساهلاً مع الأمن، الذى يسمح فى كثير من الأحيان بإعادة فتيات اعتنقن الإسلام.

أنا لا أدافع عن سياسات الرئيس، لكنه بقراءة محايدة أجد أكثر من تجاوب من رؤساء لمطالب الكنيسة التى أراها عادلة وتعامل الرجل بعقلانية مع نتوءات وتشوهات متراكمة منذ سنوات طويلة فى بلادنا بين المصريين بسبب الدين، حوار دائم بين مساعدى الرئيس والكنيسة، وتدخلات رئاسية فى قضايا كثيرة. ورغم تحفظى على الحلول "بقرارت فوقية"، فإن أقباط المهجر الذين يتعيشون من افتعال بعض الأحداث وتضخيم الأخرى، باتوا أخطر على المصريين "وخصوصاً الأقباط"، وتحولوا فى كثير من الأحيان إلى أدوات تستخدمها دول غربية لتحقيق مصالحها هى الأخرى, لإجبار مصر على المساهمة فى التغطية على جرائم دولية، بل والمشاركة فيها أحياناً. وكلما ارتفعت أصوات أقباط المهجر ترقبنا طلباً غربياً من مصر لن يكون مقبولاً, والغريب أن أقباط المهجر باتوا متشابهين مع أئمة التطرف رغم اختلاف الدين.. ولا يجب الصمت لحظة على أى من الطرفين اللذين يسوقان بلادنا صوب المحرقة الكبرى.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة