حنان كمال

الأنبا توماس

السبت، 26 يوليو 2008 12:13 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان يأتى لبيتنا فى العيدين، مهنئا ومشددا على الوحدة الوطنية، لهذا بدا لى مشهد الأنبا توماس أسقف القوصية وهو يحذر فى أمريكا من تعريب وأسلمة الأقباط مشهدا غرائبيا ... قلت لحمايا الأستاذ نصر الدين الخياط عن سر المفارقة، فقال لى أن الأنبا توماس صديقه وهما يتزاوران، ويتبادلان مجاملات الأعياد، لكنه لم يستغرب تصريحاته، فهو يعلم أفكاره هذه مسبقا، ويعلم أنه مهتم بشكل كبير بإنشاء فصول تعليم اللغة القبطية فى الصعيد وفى الإسكندرية.

قد يكون اهتمام الأنبا توماس باللغة القبطية عاديا، خاصة وأن الطقوس الدينية تجرى بهذه اللغة، لكن الكلام عن منع الأقباط من تدريسها أو إجبارهم على استخدام اللغة العربية قد صدمنى، وأنا أعلم أن البابا شنودة يكتب شعرا بالعربية الفصحى ويجيد إطلاق النكات مستخدما التوريات اللغوية وكأنه أزهرى قديم، مسيحيون كثيرون أحبوا اللغة العربية وأبدعوا بها وأثروها، والمجبر لا يبدع، المحير فى الأمر أن تصريحات الأنبا توماس جاءت إبان زيارته للبابا شنودة فى أمريكا، حيث يتلقى البابا العلاج، لا أعرف إن كان البابا على علم بمغامرة أسقف القوصية، وما سوف تثيره من امتعاضات، أم أن الحالة الصحية للبابا منعته من المتابعة.

القمص بيمن مرقص وكيل مطرانية القوصية هو الوحيد الذى قدم تعليقا، مؤكدا فيه أن الأنبا توماس معروف بحبه لوطنه وعلاقاته جيدة جدا بالمسلمين ... أما عن علاقاته الجيدة جدا بالمسلمين فأنا شاهد عليها، وزيارات العيدين خير دليل، وكذلك أصدق حبه لوطنه فمحاضرته فى معهد هيودسون بالولايات المتحدة، كان عنوانها "صرخة لمساعدة الأقباط على العيش فى وطنهم وعدم الهجرة للخارج"، يعنى منتهى حب الوطن والتمسك به، لكن الخطير فعلا أن الأمر قد يتحول لخناقة على هذا الوطن.

أما المقلق فى مسألة اللغة القبطية، فأستعيره من زيارة قمت بها للنوبة قبل سنوات، هناك كانت قد تصاعدت الأصوات المطالبة بتعلم اللغة النوبية، وهو ما حدث بدأب ونشاط حتى أننى قابلت فتيات يتحدثن النوبية ويرفضن الحديث بالعربية، نفس الشئ شاهدته فى كردستان العراق، حيث تأكيدا للهوية كان أكراد العراق يرفضون الحديث معنا بالعربية، وبعضهم يمعن فى الإغاظة فيطلب منا محادثتهم بالفارسية إذا كنا نجهل الحديث بالكردية ... ما أريد أن أقوله هنا هو أن اللغة هى مفتاح الهوية، وهى أيضا باب المشاكل الطائفية .. ومن هنا تأتى خطورة تصريحات الأنبا توماس وهو أنه وضع أقباط مصر فى وضع الأقلية المغتربة، وهو ما كنا نظن أنه غير صحيح فالأقباط يعيشون فى مصر مثلنا، فى نفس الشوارع، فى نفس البنايات، نعيش أحيانا نفس المشاكل، ويعيش كل طرف مشاكل أخرى تخصه .. لكن لم يكن يتصور أحد أن فى مصر من يعانى مشكلة تتعلق بالهوية، صديق قبطى أخبرنى أن تعليم اللغة القبطية بدأ فى الكنائس منذ عشرين عاما، وأن هذا يأتى ردا على أن كليات الآثار تعلم اللغة الفرعونية والهيروطيقية واليونانية، بينما لا تعلم القبطية فى تجاهل واضح لتلك المرحلة، نفس الصديق كان معترضا أيضا على إقامة بعض الصلوات فى الكنيسة باللغة القبطية لأنه لا أحد يفهمها ... ويبدو أنه من هذا المنطلق فكرت الكنيسة بمنطق "البيضة ولا الفرخة" فقررت أن تربى دجاجة اللغة القبطية، وهذا ما لا يخصنا فعلا إذ هو شأن كنسى تماما، غير الكنسى هو الهجوم على العروبة وكأنها احتلال وخلق خصومة بينها وبين الهوية المصرية، فرعونية كانت أم قبطية، وكأن لا أحد يعلم بأن راية القومية العربية انطلقت من بلاد الشام على يد مسيحيين بالأساس ...

مما يؤكد أن الخصومة بينها وبين المسيحية فى مصر هى مسألة مفتعلة، ثم أن أبونا توماس يناقشنا الآن فى تعريب مصر الذى حدث منذ خمسة عشر قرنا، ويتهمنا نحن المسلمين أننا أسلمنا خوفا ونفاقا وهو كلام لا يستحق الرد ولا يصح أن يصدر عن قيادة دينية فى حجمه، تنتمى لمدينة فى أمس الحاجة للوحدة الوطنية، كى تتجنب من عانى منه الصعيد فى سنوات طوال بسبب التطرف الدينى .

من شبرا أتى الأنبا توماس، وشبرا هى أيقونة الوحدة الوطنية، وكنا نتصور أن الذى يعيش فى شبرا يفهم كيفية أن يتم التعايش، ولكن يبدو أن مياها كثيرة جرت فى النهر جعلت مفهوم الوحدة الوطنية يطفو على نهر من المتناقضات، إذ نتزاور ونأكل كعكا ناعما فى العيد، ثم ما أن ينقضى العيد حتى يتحول الكعك الناعم لحجارة نرمى بها بعضنا البعض فى حضرة أمريكا.

ولماذا أمريكا؟، فى الواقع أعلم أن أمريكا تسكن قلوب الكثير من مسيحيى مصر، وأن شيئا من ظلال حروبها العالمية ضد الإسلام جعلتها بقدر ما هى مكروهة لدى المواطن العربى المسلم بقدر ما يراها الآخر المسيحى نصيرا ضد التطرف الإسلامى المشهر فى وجهه كفزاعة، وملجأ للهجرة طلبا لحياة أفضل، وملتجأ للشكوى فى بعض الأحيان، مع أن العرف السائد فى مصر هو أن "الشكوى لغير الله مذلة" إلا لو كانت داخل البيت الوطنى.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة