يبدو أن النجم عادل أمام بات يعشق الدخول فى المناطق الشائكة، فبعد أن عالج قضية الإرهاب فى فيلمه "الإرهابى" وقرر تقديم تلك التجربة فى وقت اشتداد المد الإسلامى، لم يكتف بذلك بل ذهب إلى أسيوط مخاطراً بحياته وعرض مسرحيته "الواد سيد الشغال" فعلها عادل أمام وصار من وقتها الزعيم.. صاحب المواقف السياسية الواضحة، وعلى الجانب الآخر رأى البعض أن إمام بات هو النجم المدلل للحكومة، إذ أصبح مؤسسة فنية وسياسية فى حد ذاته، بمعنى أن المسموح لعادل إمام أكثر بكثير من أى فنان آخر، رغم أن إمام عندما تسأله عن ذلك يجييب ضاحكاً: أن الرقابة وبعض الجهات الأمنية تتشدد معه أكثر من الآخرين لدرجة أنه استنجد برئيس الجمهورية لييجيز بعض أعماله وآخرها فيلمه "عريس من جهة أمنية".
وفى هذه المرة قرر إمام ومعه كاتبه المفضل يوسف معاطى من خلال فيلمهما "حسن ومرقص"، الدخول فى منطقة مثيرة للجدل ومساحة الممنوع فيها أكثر من المسموح، وهى قضية الفتنة الطائفية بين المسيحيين والمسلمين، والتى مازالت أحداثها تتفاعل وتتصاعد، والذى توفرت له إمكانيات كبيرة من شركة جودنيوز، والتى بحسب ما ردد المقربون من أسرة الفيلم لم تبخل بشىء على مخرج الفيلم، والذى كان يأخذ اللقطات من كل الزوايا واستهلك خام بشكل كبير، ليس ذلك فقط بل يكفى أن معه نجمين بحجم عمر الشريف وعادل إمام. ولكن يبدو أن الكاتب يوسف معاطى وكعادته تعامل مع المسألة بمباشرة شديدة دون أن يتفاعل مع القضية مكتفياً بالانفعال بها، وترديد جمل أرشفية مستهلكة على طريقة يحيا الهلال مع الصليب, وكأن السينما أصبحت تأتى فى ذيل القضية وتكتفى باللعب فى المضمون دون أن تفجر القضية بمفهوم أكثر عمقاً وتحليلاً، فلماذا لم يتناول القضية على أساس المواطنة وليس الدين؟ واعتمد بناء السيناريو على القطع المتوازى، فكل حدث يقع لـ "مرقص" يوازيه حدث آخر لـ "حسن"، حتى على مستوى الحوار فى بعض الأحيان، خوفاً من أن يغضب المسلمون أو المسيحيون، والشيخ المتطرف فى الجامع يقابله قس متطرف فى الكنيسة، وبالتأكيد انعكس هذا البناء الهندسى على إيقاع الفيلم وصورته البصريه، إذ جاءت أغلب مشاهده تحاكى المسرح ومدرسيه فى إخراجها.
ويبدو أن معاطى كسر هذه القاعدة لمدة 35 دقيقة فى الفيلم، بناء على رغبة الزعيم صاحب الصوت الأعلى فى كل ما يتعلق بالفيلم، حيث ترك عادل إمام يعزف منفرداً "المشاهد التى دارت أحداثها فى المنيا" بعيداً عن النجم عمر الشريف، والذى كان أكثر توفيقاً وتلقائية ووهج من إمام. والمفارقة أن تلك المشاهد جاءت لتزيد من ترهل الفيلم، حيث كانت خارج منطق الأحداث فكيف لرجل دين لاهوتى أن يتخفى بترتيب من أجهزة الأمن، ويذهب إلى المنيا معقل الكثير من الجماعات دون أن تكون أجهزة الأمن فى المنيا على دراية بوجوده، فى حين أنه من المفترض سيكون تحت نظرها، وكيف لأستاذ لاهوت طقسى ألا يعرف شيئاً عن الإسلام "رغم إنهم يدرسون الشريعة الإسلامية وعلوم القرآن، مثلما يدرسها الأزهريون". جاء هذا فى المشهد الذى اضطر فيه أستاذ اللاهوت "بطرس" جسده عادل إمام والذى تنكر فى زى الشيخ "حسن العطار" الذهاب إلى الجامع تحت ضغط وإلحاح أهل القرية ليفتيهم فى بعض الأمور، وغيرها من المشاهد التى استرسل فيها كاتب ونجم الفيلم، ولم تهدف سوى إلى الضحك بعيداً عن قضية الفيلم الأساسية، بل رأى فيها البعض صورة بلهاء للمسلمين، كما أننا لم نر أى مشهد يدل على ملاحقة الجماعات الإسلامية أو المتشددين المسيحين لبطلى الفيلم، واكتفى المؤلف بالإشارة لهم فى بداية الأحداث فقط، دون أن نشعر من خلال الدراما أو تصاعد الأحداث بوجود تهديد حقيقى لبطلى الفيلم.
والمفارقة أن دراما الفيلم لم تبدأ إلا فى الثلث ساعة الأخيرة من الفيلم، ومن خلال قصة الحب التى بدأت بين ابنة الشيخ "محمود" جسده عمر الشريف وابن بطرس وكل منهما يعتقد أن الآخر على نفس ديانته، قصة الحب كانت هى الشىء الأكثر جرأة فى الفيلم، والتى تم بترها سريعاً حتى لا تشتعل فتنة أخرى.
نعرف تماما أن المسكوت عنه فى قضية الفتنة الطائفية أكثر بكثير من المعلن، وأن من يقرر التعامل معها يصبح كمن يمشى على الحبل، ولكن ذلك لا يعنى أن يتم تناولها على طريقة يحيا الهلال مع الصليب، التى ولى عليها الزمن. وتقديم فيلم يجعلنا نفكر نتساءل عن أحوالنا، ونناقشها بوضوح أفضل بكثير من فيلم يجعلنا نبكى لدقائق فى مشهده الأخير، عندما نرى المجزرة بين المسلمين والأقباط والعائلتين يخرجان متماسكين، ثم ننسى كل شىء بعد ذلك ونعود لنفس النقطة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة