المشكلة فى معظم من كتبوا عن "ثورة يوليو"، ومنهم زميلنا عاطف حزين، ودكتور رائد العزاوى، أنهم حولوها إلى بكائية، مبنية على مقارنة بين ما نعيشه من تفاصيل، وما كان يحدث فى عهد عبد الناصر. ولذلك طرحت الصحافة والإعلام السؤال المكرر: ماذا بقى من يوليو؟
والحقيقة أننى أحلم باليوم الذى يأتى على بلدنا ولا يبقى فيها أثرا لـ"يوليو". لأن المعنى المتضمن فى هذه البكائية هو الاستنجاد برجل مرت على وفاته 38 عاما، ولأنه لن يعود، فكأن هناك تمنياً من جانب قطاع كبير من النخبة أن يأتى عادل مثله من خارج المناخ السياس.
وهذه مصيبة.. لماذا؟
لأن هذا التفكير يعيد إنتاج الخطيئة الكبرى لعبد الناصر، فقد صنع بمهارة آلة استبداد ضخمة، هى آلة الدولة لكى يبقى على رأسها، فلا صوت يعلوا فوق صوته، ولذلك أمم الحياة السياسية، فليس هناك سوى حزبه الواحد، وليس هناك سوى نقاباته، ولا مؤسسات مجتمع مدنى سوى مؤسساته، وإذا حدث وعارضه أحد فمصيره الاتهام بالخيانة والسجن. صحيح أنه منح الفقراء والطبقة المتوسطة بعض المكاسب، سأوظفكم وأعلمكم أنتم وأولادكم، ولكن كان مقابل أن تعطونى توكيلا بأن أفعل ما أشاء وقتما أشاء دون أن يحاسبنى أحد.
وبعد أن مات جاء السادات بالتوريث، فقد اختاره رجال الزعيم الراحل، وغير من رأسمالية دولة وبيروقراطيتها، حيث تهيمن على كل شىء، إلى بداية اقتصاد رأسمالى فردى. ومن بعده جاء مبارك بالتوريث، فقد كان نائبه، وأجمع عليه رجاله، ليكمل الطريق. وكلاهما حافظ على الآلة الضخمة للاستبداد التى تركها لهم عبد الناصر، ربما أعاد كل منهما طلائها بطريقته، وربما كل منهما فكك بعضا من تروسها، ولكنها، الآلة، ما زالت جاسمة على قلب البلد حتى اليوم.
لا أشكك فى نوايا الذين كتبوا عن "ثورة" يوليو، فهم يريدون مثلى الحرية والعدل، ولكنى أدعوهم لأن يأتى ذلك ببناء بلد ديمقراطى حر، يكون أهله قادرين على غرس العدل، ولا يستطيع كائن من كان أن ينزعه من أرض مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة