قرر وزير الدولة للتنمية المحلية اللواء عبدالسلام المحجوب صرف مكافأة خمسة وعشرين ألف جنيه لعصام الدين إبراهيم، نائب رئيس مركز كرداسة.. لماذا اتخذ المحجوب قراره هذا؟ لأن الموظف المذكور رفض قبول رشوة لإصدار ترخيص لأرض بالمخالفة للقانون.. القانون الذى يخالفه الآن كثيرون جدا،ً ويكونون ثروات طائلة من وراء ذلك، وهم هادئو البال "لثقتهم" بالنجاة من أية محاسبة أو حساب، وبشكل خاص لأن أحداً لن يسألهم من أين لك هذا.. وتفشت السرقات والتزوير واستغلال الوظائف، فى ظل بيروقراطية باتت كمرض السرطان القاتل، صاحب ذلك تحديداً إلغاء قانون من أين لك هذا، أو على الأقل شل فاعليته..
وفى كل بلاد الدنيا تسأل الأجهزة المعنية عن مصدر الثروات، لاسيما إذا كان صاحبها قد قفز من عداد المعدمين إلى طبقة ملاك القصور والشاليهات الفاخرة والسيارات التى يتعدى سعرها المليون جنيه فى ظرف سنوات قليلة جداً، وأنه يتقاضى مرتباً معروفاً -حسب اللوائح ـ والحجة إما "إن ربنا رزقه"، وإما: إنه "تقشف"، وادخر الملايين من دخله الرسمى الذى يعد بالمئات وفى أحسن الأحوال بالآلاف.. لقد أصبح معتاداً أن تسمع أن فلاناً كان لا يملك غير ملابسه البسيطة منذ أعوام، ولكن "ربنا فتحها عليه..
" متى وكيف؟ هذه الأسئلة باتت من المحرمات المكروهة فى زمننا هذا.. وقد أشرت فى مرة سابقة إلى أن دولاً غربية تعمل وفقاً لمظاهر الثروة، وتتبع مصادرها فى مرحلة أولى "لشبهة" التهرب الضريبى، ثم تضع يدها على المخالفة أو الجريمة التى تحققت منها الثروة، وحتى الآن لا أفهم لماذا تم إلغاء هذا القانون، ومن هى القوى التى كانت وراء إلغائه، وبحسبة منطقية بسيطة يحق لى ولغيرى أن نظن أنهم هؤلاء الذين استفادوا من غياب السؤال أو تغييبه، وفى الستينيات وحتى أوائل السبعينيات كان "الاستثناء" هو المرتشى أو المزور أو المختلس، وكان يحتل الصفحات الأولى محاطاً "بأكاليل العار" وليس بأكاليل الغار، كما يحدث لبعض أصحاب الثروات الطائلة والتى لا يبررها ـ أى الثروات ـ أى نشاط اقتصادى أو ميراث أو تجارة أو أى شىء يحقق مثل هذه الثروات..
أما الآن فهذا الموظف الأمين أصبح هو الاستثناء، ولدرجة أن الوزير المسئول قرر له مكافأة كبيرة ـ نسبياً ـ لأنها بالتأكيد لا تقاس بما كان سيجنيه من "الرشوة" التى رفضها .. هذا الموظف الذى أصبح عملة نادرة يستحق منا كل الاحترام والتقدير، ولكن سلوكه النزيه يستوجب التوقف عند المنظومة البيروقراطية، التى تستغل ترسانة من القوانين واللوائح لقرارات "وقف المراكب السائرة" والوزير وكل المسئولين يعرفون أن الموظف قادر على عرقلة أى مشروع أو إجراء عبر ثغرات قانونية ولوائحية لا يعرفها غيره، وهو واثق من أنه مهما "تربح" من وظيفته فلن يسأله أحد من أين له هذا.. وأظن، وبعض الظن إثم، أن اللواء المحجوب كان سخياً مع الموظف الأمين، لأن موقفه "يقع" كالحوادث كل فترة زمنية طويلة، لأنه لو أعطى خمسة وعشرين ألف جنيه مكافأة لكل موظف أمين.. وكان عدد هؤلاء أغلبية بين الموظفين، لأنفق كل ميزانية الوزارة عليهم وأقترح عليه ـ عسى ألا تكون واقعة الموظف الأمين حادثة فردية ـ أن يطالب بتحسين مرتبات الموظفين بالقدر الذى يكفل لهم حياة كريمة، فيعود الموظف غير الأمين هو الاستثناء!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة