صورة عبقرى التمثيل والأداء الفطرى التلقائى، الذى لم يوفه أحد حقه حياً أو ميتاً، شفيق نور الدين لا تفارق عينى فى كل أعماله، خاصة مشهد النهاية فى مسرحية "سكة السلامة" للراحلين سعد الدين وهبة مؤلفاً وسعد أردش مخرجاً، والذى يخاطب فيه زملاءه أبطال العرض المسرحى: "خلاص يا أخوانا وصلنا المحطة، المحطة اللى مفيش بعدها محطات أبداً، المحطة اللى مفيش فيها حد يستناكوا، ومفيهاش ناظر يحاسب على محطات فاتت أو جية، فيها رب واحد بس يحاسب على كل الحاجات التانية، خلاص وصلتوا لآخر السكة، مش سكة السلامة ولا سكة الندامة، دى سكة اللى يروح ما يرجعش".
"سكة اللى يروح ما يرجعش" هى السكة الوحيدة، التى تسير عليها مصر حالياً فى شتى مناحى الحياة، والغريب أن المسئولين عن حركة المرور فى هذه السكة، لا يلقون بالا لأية إشارات ضوئية أو عواصف ترابية أو شبورة ضبابية أو أية وسيلة، يمكن أن تفرمل أو تهدئ من قوة الاندفاع إلى الهاوية أو الانفجار.
ولتتخيلوا معى نماذج بسيطة من السائرين نياماً أو تنويماً على هذه "السكة"، سواء بالأفعال السلبية المعروفة عنهم، أو بالأقوال اللامسئولة.
وزير التربية والتعليم يسرى الجمل قطع بعدم إعادة امتحانات الثانوية العامة "تحت أى ظرف" بدعوى أن نسبة المستفيدين من تسريب أسئلة بعض الامتحانات لا تتجاوز 22 طالباً، لو تخيل الوزير منظر "السكة" لأدرك أن استفادة طالب واحد فقط من التسريب تعنى الكارثة على المدى القصير والبعيد، وليأخذ عبرة من الموجه فى وزارته "سالم أحمد سالم"، الذى ألقى القبض عليه الثلاثاء الماضى فى مدينة 6 أكتوبر، وهو يتزعم عصابة لتهريب ربع طن حشيش إلى المصايف فى الساحل الشمالى .
الشئ نفسه ينطبق على المسئولين عن تصدير الغاز إلى إسرائيل وغيرها بأسعار زهيدة، وبيعه للمواطنين الغلابة بفاتورة تعاقد فقط تزيد على ألف و500 جنيه غير البقشيش، والذى منه، وعلى عضو مجلس الشعب عن إحدى دوائر القاهرة، الذى اقترح على محافظ القاهرة عبدالعظيم وزير أن يفرض رسماً على عبور نفق الأزهر، أثناء اجتماع لمناقشة تطوير القاهرة وهو لا يدرى أن اقتراحه يعنى الكارثة خصوصاً لو وصلت أنباؤه إلى مسامع السيد وزير المالية ـ بالمناسبة يوجد من أمثال هذا النائب "الوطنى" الكثير من أصحاب الاقتراحات الفاشلة فى كل المحافظات، والتى تؤكد أنهم فى واد ومن يمثلونهم فى واد آخر، ويعملون ليل نهار ضد مصالح ناخبيهم.
فى ناصية معروفة على "السكة" يقف عدد من كبار المسئولين عن الاحتكار والارتفاعات الفلكية لأسعار الحديد والأسمنت، وفساد الصناعة والتجارة والاستثمار والتنمية والزراعة، بما فيها غش الأسمدة وانتشار ديدان القطن والذرة.
السكة ذاتها يسير عليها المسئولون عن كرة القدم فى مصر، وخاصة فى نادى الأهلى والزمالك من خلال خطواتهم غير المحسوبة فى التعاقد بأسعار فلكية مع عدد من اللاعبين فى الأندية، ثم يحنطونهم فيما بعد على كراسى البدلاء.
على قارعة نفس "السكة" يقف المسئول عن عدم صرف فوائض الميزانية للقضاة، والتى يتم صرفها لجميع القضاة فى نهاية شهر يونيه منذ 13 عاماً، ومعه عدد من المسئولين عن عدم صرف علاوة الـ 30 فى المائة، التى قررها الرئيس مبارك مؤخراً للآلاف من العاملين فى مؤسساتهم وشركاتهم وهيئاتهم، والمسئولين عن عدم وصول مياه الرى والشرب إلى الفلاحين فى دلتا مصر وصعيدها وأيضاً فى مدينة نصرها.