خالد الشريف

حضن الوطن.. ومغالطات قلادة

الأربعاء، 13 أغسطس 2008 08:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يُصاب المرءُ بالدهشةِ وهو يقرأ كلام الكاتب القبطى مدحت قلادة المقيم بـ"زيورخ"، وهو يُفَصِّل الوطنية - حسب مزاجه وما يراه فى هواه؛ لِيُنْعِمَ بها على مَنْ يشاء ويمنعها عمن يشاء، كأن مقاليد الوطنية بيده، وتحت تصرفه وإمرته!

ومصدر الدهشة: أنّ المقال يحتوى على كثير من المفاهيم المغلوطة التى يحاول الأستاذ قلادة الترويج لها، ونشرها فى سوق الأفكار، شأْنُه فى ذلك شأنُ أقباط المهجر الذين يعانون من "عُقَدٍ" نفسية، وغربةٍ عن الوطن، وغيابٍ عن أحداثه! ومن أمثال تلك الأفكار التى روجها قلادة فى مقاله أنّ الإسلاميين منذ ظهور الإخوان والجماعات الإسلامية غيروا مفاهيم الوطنية، وقاموا بتشويه وطنية الأقباط!! وحلا الكلام على سن قلمه فجعل ينسج من خياله الفسيح مزاعم تصرخ بأن الإعلام "مخترق"-هكذا مرةً واحدة!!- من الإسلاميين، وأنّ لهم طرقًا غير أخلاقية- ما شاء الله!!- فى مفهوم الوطنية، وأن الأقباط –هكذا جميعًا!-يتعرضون لسيوف التخوين-والعياذ بالله!-، وأنهم ليسوا فى حاجةٍ لشهادة وطنيةٍ من الذين باعوا-انظر إلى التعبير!- البلد للوهابية، وتضامنوا مع جماعات الإرهاب الدينية!! فالقبطى الذى يستمد شهادة وطنيته من جماعات دينية إرهابية متطرفة كمن يطلب شهادة حسن سير وسلوك من قاتل ولص..انتهت الاتهامات المنامية!!

إننا نحزن أشد الحزن من بث هذه الأفكار الخطرةِ، والترويج لها خارج مصر، لأن هذا الكلام، درى صاحبه أو لم يدرِ- ينسف أُسُسَ التعايش بين المسلمين والأقباط فى مصر، ويُلْغِى وجود الجماعة الوطنية، ومن ثَمَّ فإنه يُعمِّق الشرخ بين أبناء الوطن، ويفتح الباب واسعًا لشرورٍ لا حدودَ لها. لذلك من الخطأ أن نتغاضى عن أغاليط هذا المقال، التى لا أساس لها، ونأمل من عقلاء الأقباط والمنصفين -وما أكثرهم من الشرفاء من أبناء هذا الوطن!- تصحيح هذه المفاهيم عند الأقباط، خاصةً أولئك الذين يعيشون فى البلاد الغربية، فإذا قام عقلاء الأقباط بذلك فإنهم يساهمون فى إيصال صورة صحيحة ونقية للتعايش بين المسلمين والأقباط فى مصرنا الآمنة.

ونود أولا أن نقول: إن الإسلاميين قاطبة يفهمون أن الانتماء للأوطان لا ينافى الانتماء للإسلام، بل إن الإسلام يؤكد ويغذى مفهوم الوطنية، وينمى فى نفوس أتباعه حب الوطن، والعمل على نمائه وقوته، والدفاع عن ترابه ومقدساته، ولذلك خرج الإخوان قديمًا ليحاربوا العصابات الصهيونية التى احتلت فلسطين عام 1948، وسطروا صفحاتٍ مضيئةً من البطولات، ورووا أرض فلسطين بدمائهم، وضحوا، ومازالوا يضحون، من أجل أوطانهم.
إن الوطنية الحق يا سيد قلادة هى التى ينبع معناها من الدين، وتسير فى نفوس الناس على هدَى من تعاليمه، وليست الوطنيةُ بضاعة قوليةً نستوردها من الخارج، ثم نترجمها على عللها، وندفع بها إلى العقول، دون أدنى تهذيب أو إصلاح! وينبغى أن يعلم السيد قلادة أن الانتماء للوطن ليس محصورًا فى الأفعال التى تتجلى وقت الحروب وعند الْمُلِمَّات فحسب، ولكنها سلوك دائم فى النفس، تنضبط به علاقته بغيره ممن يشاركونه الوطن، ويقاسمونه حبه، فهو يتعايش معهم – مسيحيين ومسلمين – بما ينفع الوطن ويعزز قيمته..

والإسلاميون جميعًا يعتقدون اعتقادًا راسخًا أن الانتماء للوطن والتعايش يستلزم العدلَ مع كل قاطنيه ممن يقومون بحقوق المواطنة، مسلمين ومسيحيين، على حَدٍّ سواء! ونعتقد أيضا أن أقباط مصر نسيج وطنى فريد، شاركوا قديمًا فى تحرير هذا الوطن من الاستعمار، ولم يكونوا أبدا طابورًا خامسا للاستعمار الغربى، ووقفوا مع المسلمين صفًّا واحدًا أمام الهجمة الغريبة لاحتلال مصر.. وشاركوا فى تحمل الهزيمة والنكسة، كما شاركوا فى صنع الانتصار العظيم فى أكتوبر، ولا ينكر ذلك إلا جاحد.

بل إننا نعتقد أن حوادث الفتنة الطائفية حوادث عارضة، غريبة عن نسيج المجتمع المصرى الدافئ، و هى حوادث تعبر عن حالة الاحتقان السياسى الذى تعيشه مصر، والذى تقع آثاره السيئة على المصريين جميعا، بل يعانى منه الإسلاميون أكثر من غيرهم، وما زالت نار هذا الاحتقان ترسل عليهم شواظها من اعتقالات ومحاكمات، وكل ذلك فى سبيل إصلاحه سياسيا واقتصاديا، من أجل أن ينال الجميع العدل، ويسود القسط بين الناس.

ولكن-للأسف- يبدو أن هناك من لا يروقه ذلك من أقباط المهجر، من أجل أمور مخبأة فى عتمة النفوس، أو لعلهم يعانون من عقدة نفسية للغربة التى غرسوا أنفسهم فيها، فكرسوا أنفسهم للعمل وفق أجندة غربية، قد تهالكت حتى صارت عتيقة لا قيمة لها!! فما زالوا يروجون لاضطهاد الأقباط، ويستقوون بالغرب وأمريكا على مصر-وهى وطنهم-، ويصرخون مطالبين بقطع المعونة عنها..وهذا لا اسم له فى قاموس الوطنية إلا الخيانة!

يا أستاذى ألا تتفق معى أن قيام جماعة أو طائفة باستغلال ظروف سياسية أو اقتصادية مُعَيَّنة كى تنتزع لنفسها حقوقًا وامتيازاتٍ، وتستقوى بالغرب أو الشرق، وتشعل الفتنة بين جنبات الوطن، حتى يصير العيش المشترك بين أبنائه على شَفَا بركان قاتل.. ألا تتفق أن هذا كله نوع من الخيانة؟!

إن دعاة الفتنة من الأقباط يحاولون استغلال حوادث الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين ليتعاملوا مع الدولة خارج الأُطُر القانونية والشرعية الرسمية، ومع أن معظم حوادث الاحتقان الخاصة بالنصارى تبدأ فى الشارع، سواء على خلفية احتكاكٍ عادى بين مواطنين مسلمين ونصارى بحكم الاحتكاك اليومى العادى، أو بسبب اعتناق فتاة نصرانية للإسلام، إلا أن البعض من أصحاب النوايا السيئة فى مصر، يسعون لحشد الشارع "النصرانى" بهدف مواجهة "الدولة"، كما يتمّ تصدير هذه الأزمات إلى الخارج لمضاعفة الضغط على الحكومة المصرية.

أبدا يا سيدى.. الإسلاميون لا يخونون أحدًا من أقباط مصر؛ لأنهم يؤمنون بأن الإسلام نهى عن ظلمهم، وأمر بالعدل معهم، والبر بهم، والإحسان إليهم، فلم يكتفِ الإسلام بتركهم وما يعبدون وفقط (لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ)، وإنما جعل الدفاع عنهم والذَّوْدَ عن أعراضهم وحقوقهم، والدفاع عن كنائسهم ومعابدهم وأديرتهم واجبًا إسلاميًّا أصيلاً، حفظاً للعهد ووفاءً للذمة.
يا سيد قلادة..إن حضْنَ الوطن أحلى- ألفَ مرة- من جنة الغرب و"دولارات" أمريكا، فتعال يدًا بيدٍ، وساعدًا بساعدٍ نبنى هذا الوطن، ونسعى لنهضته وازدهاره، رافضين كل دعوات الفتنة والشقاق بين أبناء الوطن؛ ليعيش الجميع فى أمن وسلام، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة