إبراهيم أحمد عرفات

من الوطنية إلى المواطنة

الخميس، 21 أغسطس 2008 12:27 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عادت بنا أزمة دير أبو فانا وتداعياتها، إلى المربع رقم واحد فى رؤية الكتاب والمفكرين لقضايا الوطن وهمومه، بعد أن اختصرتها فى مسألة "الوطنية".. فبعد أن تظاهر بعض مسيحيى مصر فى الخارج مرددين شعارات مناهضة للحكومة، ومنددين بالاضطهاد الذى يعانى منه المسيحيون فى البلاد.. خرجت علينا العديد من الكتابات التى نددت بهذه التظاهرات واعتبرت القائمين عليها "خونة"، فى الوقت الذى ردت عليها كتابات أخرى دافعت عن "وطنية" المسيحيين المصريين فى الخارج والداخل.

بيد أن المتعمق فى الأزمة، وقراءة أحداثها وتداعياتها المختلفة، يرى أنها تعبر عن قضية أكبر، تجسد العلاقة بين الشعب والدولة بمؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية (بالترتيب المصرى)، تتمثل فى "المواطنة"، التى تعتبر فى حد ذاتها حلا أمثل لمشكلاتنا المزمنة التى يعانى منها المسلم والمسيحى على السواء.

وللأسف.. تلك الكلمة التى دائماً ما نسمعها أو نقرأها فى كتابات عديدة.. يحاول كل فرد أن يوظفها وفقاً لأيديولوجيته وانتماءاته الدينية والسياسية، بل والعرقية أيضاً، لكنها فى الواقع تجسد مطلباً وضرورة ملحة لتطوير الدولة ذاتها والانتقال بها إلى مرحلة المدنية أو مرحلة الدولة الحديثة، وننتقل نحن أيضاً من مجرد رعايا إلى مواطنين لنا حقوق وعلينا واجبات.

إذن كيف تصبح "المواطنة" القضية الأساسية للبلاد، وحلاً فى الوقت نفسه؟.. يجيب على ذلك تعريف "المواطنة" ذاتها.. ولكن هناك كلمة يجب قولها.. أن "التنظير" أو الاعتماد على الجانب النظرى ليس رفاهية، بل يعتبر ضرورة تستند أهميتها على أن هذه المفاهيم النظرية تم صياغتها من خلال متابعة ورصد تطور الواقع الذى أفضى فى النهاية إلى النموذج الأمثل لتحقيق رفاهية الشعوب، ونحن نحاول بدورنا أن نستند على أهدافه ومحوره.. وهنا، تعنى المواطنة ـ بحسب Andrew Heywood فى موسوعته للمصطلحات السياسية ـ أنها العلاقة بين الأفراد والدولة التى يتبادل فيها الطرفان الحقوق والواجبات.. بمعنى أن الأفراد لهم حقوق وعليهم واجبات تجاه الدولة التى يعيشون فيها، والدولة أيضاً لها حقوق على الأفراد، وعليها واجبات تجاههم..

والسؤال الآن كيف تنشأ هذه العلاقة التبادلية؟.. الإجابة هنا تتعلق بوجود قانون ينظم ويتساوى أمامه الجميع.. الحكام والمحكومون.. ويضمن أيضاً حرية التعبير والمشاركة فى كافة الأنشطة المجتمعية المختلفة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) دون تمييز.. وهنا يتضح أن المواطنة ترتكز على ركنين أساسيين: المساواة والمشاركة.. وهو ما لا يمكن أن يتحقق دون وجود دولة "مدنية" يحكمها القانون وليس الأهواء الشخصية.. دولة يكون فيها الأفراد متساوين فى الحقوق والواجبات.. وهو الأمر الذى يحدد فى النهاية انتماء هؤلاء الأفراد للرقعة الجغرافية التى يعيشون فيها.. بمعنى أنها الحالة التى تدفع فى النهاية إلى تعميق الشعور بـ "الوطنية".. لذلك تعتبر المواطنة ثقافة وممارسة فى الوقت نفسه.

وبالنظر إلى الحالة المصرية.. يمكن القول إن حالة الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تمر بها الدولة المصرية، تأتى كنتيجة طبيعية لتحول المصريين إلى رعايا أكثر منهم مواطنين. فالمصريون ليس لديهم سلطة فى تحديد شكل أو طبيعة القرارات التى تتخدها الحكومة، وتؤثر على حياتهم بشكل مباشر، تحت دعاوى أنه لا تصلح معهم الديمقراطية، أو بسبب عدم وعيهم بالمشاكل التى تعانى منها البلاد، وبالتالى فإن اختياراتهم لن تكون موفقة.. الأمر الذى أفضى فى النهاية إلى عزوف المواطنين عن أبسط أشكال المشاركة التى يكفلها الدستور والقانون، وهو التصويت والترشيح فى الانتخابات المختلفة.. كما أن المتابع لمسار القوانين الجديدة التى كان من المفترض تمريرها فى الدورة التشريعية السابقة ـ تنفيذاً للبرنامج الرئاسى للسيد رئيس الجمهورية ـ يرى أنه تم تجميدها أو تأجيلها للدورة القادمة، فى خطوة فتحت الباب للعديد من التكهنات والاستنتاجات فى محاولة للوصول إلى أسباب هذا التأجيل..

هذا الواقع عمق أزمة الثقة بين الأفراد والحكومة، وفتح الباب أمام تدعيم الانتماءات والولاءات إلى التيارات السياسية والدينية الضيقة، وجعلتنا نتناسى أن همومنا مشتركة.. وأن التمييز الذى نعيشه لا يرتكز على أسس دينية أو طائفية، وإنما على أسباب أخرى، من بينها تمييز السلطة والمال..

وعودة إلى أزمة دير أبو فانا، يتضح أن تصعيد القضية جاء بسبب اختفاء الدولة (كمؤسسات وقانون)، وتعميق الشعور بالتمييز بين أطياف الشعب المصرى (المسيحيين والمسلمين) العربان وسكان الحضر.. وهو سببه أننا رعايا وليس مواطنين، نتلقى ولا نشارك.. لا نعرف أين حقوقنا وما هى واجباتنا.. من هنا، ساد مبدأ الصراع والقوة فى علاقاتنا، فى حين أن الخطر عندما يأتى على البلد لن يفرق بيننا على أساس الدين أو العرق.. ولنا فى العراق وفلسطين خير مثال..

وأخيراً فإن التساؤل الآن.. كيف يمكن أن نتحول إلى مواطنين؟ كيف يمكن أن نبنى حواراً على أساس التعايش وقبول الآخر؟.. وفى هذا الصدد كلام آخر..








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة