يقول عنى صديقى الصحفى السعودى جاسر الجاسر، "إننى هجام"، وكان الراحل الدكتور عبد العظيم رمضان يقول إننى اكتب بالمرزبة، ومع هذا فإننى لم أمثل للتحقيق فى قضية نشر سوى مرة واحدة، فى بداية حياتى الصحفية، وفى نهايتها أقام ضدى القائد الليبى معمر القذافى دعوى يتهمنى فيها بأننى أهنته، وعلى الرغم من أننى لم أمثل أمام عدالة المحكمة ولا جلسة، فقد حصلت على البراءة من محكمة أول درجة، والبراءة من محكمة الاستئناف، ولا تزال الدعوى الآن أمام محكمة النقض. لم تزعجنى دعوى القذافى، فالرجل يطلب القضاء له بتعويض قدره مليون جنيه عدا ونقدا، وإذا جاءت الطوبة فى المعطوبة، وصدر حكم لصالحه.. فماذا يأخذ الريح من البلاط؟!
المهم، فعندما جاء طلب استدعائى للمثول أمام نيابة أمن الدولة العليا، كان ذلك فى رئاسة المستشار عبد المجيد محمود لها، وفى بلاغ تقدم به ضدى "توفيق الشاوى" أحد القادة التاريخيين لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك لأننى عرضت فى جريدة " الأحرار" كتابا للمستشار سعيد العشماوى تعرض له فيه، ولما كان العشماوى يعمل وقتها رئيسا لمحكمة الجنايات وأمن الدولة العليا، ويتمتع بالحصانة القضائية، فقد استضعفنى صاحب الدعوى، وربما استغلبنى، وهو الذى كان يعمل قاضياً سابقاً، وعليه فقد قرر أن يجعلنى عبرة لمن يعتبر!
كانت الدنيا لا تزال بخيرها، فنقل لى طلب الاستدعاء تليفونيا ضابط ودود اسمه "حامد عوض"، شقيق وزير الصحة بعد ذلك" عوض تاج الدين"، ولأنه شعر أن قلبى سقط فى حذائى من الهلع، وإن حرصت أن يبدو صوتى متماسكا، فقد هدأ من روعى، بأن قال لى إن عبد المجيد محمود الذى سيحقق معى رجل محترم، فلا ينبغى أن أقلق، وقد شكرته وأخبرته أننى لست قلقا، مع أننى كنت قلقا ونصف!
كان على أن أذهب للنيابة باكراً، وعلى الرغم من أننى كنت قادما بشوكى من بلدان تكن كل تقدير واحترام للنيابة، وترى أنها الجهة الوحيدة التى تخيف ضباط الشرطة إذا تجاوزوا، إلا أننى سأمثل أمام نيابة ليست ككل النيابات، إنها نيابة أمن الدولة العليا شخصيا!
كثير من الزملاء الكبار، أكدوا لى أن الأمر لن يكون أكثر من التحقيق، فرئيس النيابة شخص اشتهر بالنزاهة وعُرف بها. ومع ذلك فقد نمت ليلتى بشكل متقطع، فكان نومى يقظة، ويقظتى نوما، وعلمت وقتها مدلول عبارة الست: "لا بنام ولا بصحى"، وإن كان الخلاف فى البواعث، فبينما باعثها هو فرحتها، فإن الباعث عندى هو هلعى.
من النجمة، كنت فى نيابة أمن الدولة العليا، هناك قالوا لى: خير؟.. عندى تحقيق أمام المستشار عبد المجيد محمود.. انتظره فى الاستراحة، فامتثلت. بعد لحظات كان المستشار يقوم بالمرور، نظر إلى الاستراحة وسألنى: خير؟.. أنا فلان الفلانى قالوا لى إنك ستحقق معى. قال مستنكرا: قالوا لك إننى أنا الذى سأحقق معك؟.. رددت: أى نعم، هو أنا قلة؟!
كان عمرى وقتها 22 عاما، وتبسم الرجل ضاحكا، بشكل أذهب عنى الخوف، وجعلنى اشعر أننى بين أيد أمينة، واصطحبنى إلى مكتب وكيل للنيابة اسمه " عبد المنعم الحلوانى" وقال له حقق معه فى البلاغ المقدم ضده، وخرجت من هناك وأنا " سوابق" وكلما تعرض زميل فى بداية عمله الصحفى لما تعرضت له، أهدئ من روعه بصفتى سوابق: إذا تجاوز معك المحقق دعه واذهب إلى مكتب عبد المجيد بك محمود، فقطعا سوف يلحقه بأحد معسكرات الأمن المركزى.
وعندما تولى المستشار عبد المجيد محمود منصب النائب العام، شعرت بأن المنصب قد رد الاعتبار إليه، بعد عهدين، الأول عهد النائب العام الأسبق، الجدير بفتح ملفاته، وإن احتمى بحصانة مجلس الشورى، والثانى هو النائب العام السابق، الذى لم ينس أنه كان مساعدا لوزير العدل. لكننا الآن أمام نائب عام، أجمع من لا يجمعون على ضلالة، ومنذ بداية حياتى الصحفية، بأنه رجل النزاهة بامتياز.
ما مناسبة ما سبق؟ إن مناسبته هو قرار النائب العام بحظر النشر فى قضية مقتل الفنانة اللبنانية " سوزان تميم"، وهى جريمة تمت فى دبى، أى بعيدا عن الأراضى المصرية، وعندما يصدر مثل هذا القرار، فإن المستهدف به هو الصحافة المصرية، ذلك بأن الصحافة الإماراتية نشرت، وقالت، وعادت، والمعلومات متوافرة على شبكة الإنترنت لكل عابر سبيل، ولا مبرر لمثل هذا القرار، الذى فتح الباب على مصراعيه للقيل والقال. أتمنى أن يعدل النائب العام عن قراره بحظر النشر، حتى لا يكون الحظر مبررا للقضاء على أدلة الجريمة، بعيدا عن رقابة الصحافة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة