معركة كبرى تدور رحاها على شبكة الإنترنت حالياً، معركة ليست أقل أهمية ولا تأثيراً من معركة حطين، يخوضها الأشاوس الذين جعلوا من أنفسهم، مدافعين عن الإسلام ضد الكافر محمود درويش الذى يبجله ويقدسه الزنادقة والملحدون من أمثاله.
يتساءل أحد الأشاوس المحاربين فى المعركة الفاصلة: ما حقيقة محمود درويش؟ ويجيب قبل أن نلتقط أنفاسنا "درويش هذا ملأ كلامه بالإلحاد ولا يعظمه إلا الرعاع أو جهال لا يعرفون حقيقته، أو من هم على شاكلته من المنافقين والزنادقة الذين يريدون بتعظيمه تمرير إلحادهم الخفى، وما كان يكتبه ليس له هذه القيمة الأدبية التى يزعمها له، لكنهم دأبوا على تعظيم بعضهم بعضاً، بغية نشر إلحادهم الذى يبثونه فيما يكتبون متسترين بشعر الحداثة".
ويطوح محارب ثان بسيفه فى وجوهنا قائلاً "الطريقة الفكرية العلمانية والملحدة التى كان يعالج بها محمود درويش ما يكتب، هى التى رفعته عالياً لأنها المطلوبة أوروبياً وأمريكياً ويهودياً، سؤال لأيتام محمود درويش، هل كانت سمعة "الدرويش" ستصل إلى ما وصلت إليه، لو كان شعره إسلامياً أو على الأقل فيه مسحة من الخلق الإسلامى؟
وعندما يعاتب أحد العقلاء هؤلاء المحاربين الأشاوس، منبهاً إياهم لعدم استخدام صيغة التكفير أو الألفاظ الجارحة، ينظرون إليه شذراً، ويهددونه قائلين: "نتيجة كلامك ستؤدى بك إلى ترك تكفير من يموت من الهندوس والنصارى واليهود والبوذيين وجميع الفرق الكافرة، لأمر بسيط وهو أن العلة كانت هى عدم العلم ببواطن الناس، فلا ينبغى تكفيرهم فهل تتوقف بتكفير هؤلاء الناس أم تكفرهم وتترك أمرهم بعد ذلك إلى الله؟!".
محارب آخر يفتح عيوننا على حقيقة القيمة الأدبية لمحمود درويش، ويدفع بسيفه فى صدرونا لأن نقبل بما يقول "أين درويش هذا من خالد العلى صاحب قصيدة "غب يا هلال" التى أبكت كل من سمعها، حتى ممن لا تعنيهم قضايانا، وأين هو من هلال الفارع وعبد الرحيم محمود صاحب ملحمة سأحمل روحى على راحتى وألقى بها فى مهاوى الردى؟".
هذه المقتطفات منقولة بحذافيرها من ميدان المعركة الكبرى المشتعلة حالياً بين التكفيريين وبين الشاعر الراحل الكبير محمود درويش، لم نختلقها بهدف صنع دراما عبثية عن واقع الثقافة على شبكات الإنترنت، أو بهدف توضيح مدى الانحطاط الذى وصل إليه وعى فئة لست بالقليلة بين من ينتسبون إلى الثقافة والفكر والإبداع. لم يترك وباء التكفير والإزاحة والعنف تجاه الآخرين، بقعة عربية إلا وطالها، سواء كانت تسيطر عليها الحكومات العربية أو المعارضة العربية أو حتى متحررة إلى حد ما من سيطرة الحكومات والمعارضة، مثلما الحال مع فضاء الإنترنت.
انتقلت الكتب الصفراء والأفكار الصفراء والأزمنة المتربة المتخلفة من على أرصفة العواصم العربية المأزومة إلى مواقع الإنترنت، ومثلما تلقت مجلدات التطرف والاختلال الفكرى ونتاج عصور الانحطاط، الدعم المادى الذى يجعل أثمانها لا تتجاوز قروشاً قليلة، لتصبح فى متناول أيدى الفقراء الباحثين عن ملاذ من حيرة الفقر المادى والفقر الفكرى المحيط بهم، نالت مواقع التطرف والتكفير ومواقع نشر الاتجاهات الصحراوية الكارهة للإنسان وللحياة دعماً مالياً هائلاً، حتى أصبحت كتب الأرصفة جاهزة للتحميل على حاسبك الشخصى بضغطة زر صغير، ادخل الآن وحمل مكتبة كاملة من آلاف الكتب التى لا تضيف شيئاً لصاحبها سوى أن تجذبه للعيش فى أزمنة هاربة وسط خرافات وأساطير، لا صلاح للإنسان العربى إلا بتركها، ولا تقدم له إلا إذا نفضها عن وعيه وعن مستقبله، ليصنعه بروح منفتحة على العالم من حوله.
تكفير محمود درويش الشاعر العربى العظيم، نموذج دال على ما وصل إليه الوعى العربى من انحطاط بفعل سيادة الثقافة الصحراوية، التى تضاد الحياة نفسها ولا ترتفع بقيمة الإنسان. انتصار ثقافة التخلف والهروب والتطرف، هو الذى جعل معيار التكفير وسيلة للحكم على محمود درويش، مثلما كان معياراً لمحاولة اغتيال نجيب محفوظ، ثقافة قاتلة للإنسان، لأجمل ما يملك "الوعى والحلم والإبداع"، وإذا كان حاملوها فشلوا فى اغتيال نجيب محفوظ فإنهم نجحوا بالفعل فى اغتيال الإنسان العربى من المحيط إلى الخليج، ودفعه خمسمائة سنة إلى الخلف.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة