حبكت!.. فالسيد وزير التعليم المفدى اجتمع مع أركان وزارته وفكر، ثم اجتمع معهم وقدر، ثم اجتمع بهم وقرر أن تكون بداية الدراسة فى الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر، أى بعد بداية شهر رمضان بأسبوعين، وقبل نهايته بأسبوعين، وكان الأمل يحذونا أن تبدأ الدراسة بعد الشهر الفضيل، لكن الوزير، وحملة العرش من حوله، كان لهم رأى آخر، ولا مبدل لكلماته ولا معقب لحكمه!
دعك من الذين يحملون عرش الوزير، فهؤلاء لو قرر تأجيل بدء الدراسة إلى ما بعد عيد الأضحى المبارك، لوافقوا ولباركوا، ولأعلنوا على البرية أن هذا هو "عين العقل"، لأن وعى التلاميذ لا ينشط إلا بعد أكل البروتين، وتلاميذنا لا يأكلون البروتين إلا من العيد للعيد، ومن هنا فإن تأجيل الدراسة إلى ما بعد "لحمة العيد"، هو القرار الصائب، الذى يؤكد أن "معالى" الوزير عقلية معملية فذة!
الوزير إذن هو صاحب القرار، والقول الفصل! وهو من دغدغ مشاعرنا الجياشة بإمكانية تأجيل بدء الدراسة إلى ما بعد شهر رمضان، فسعدنا، وظننا أنه ساع للغلوشة على جرائم الثانوية العامة، التى مثلت فضيحة مكتملة الأركان، وقرار التأجيل من شأنه أن يجعل الناس تنسى ما جرى، والله حليم ستار. لكن عقب الاجتماع الأول مع أركان حربه بانت لبتها، فقد أفصح عن رأيه، ولم نعد بحاجة إلى عقد اجتماع آخر، ليقرر عدم التأجيل، اللهم إلا إذا كان الهدف أن يحصل المجتمعون على بدل الحضور، والحالة ضنك، فهم – يا ولداه – خارجون من مصايف، وداخلون على مدارس وجامعات، فشهر رمضان، فالعيد، فالعيد الكبير، وهى مناسبات متداخلة، وتحتاج إلى مصاريف، والبدل يمكن أن يسد له خانة من هذه الخانات المفتوحة، وهو وإن كان حسنة قليلة، إلا أنه يمنع بلاوى كثيرة!
الوزير قال إن تأجيل الدراسة إلى ما بعد الشهر الكريم، من شأنه أن يسئ لنا أمام العجم لأنه يوحى لهم أن رمضان هو شهر كسل، وهذا يتنافى والحكمة من الصوم، كأن الفرنجة يقفون على أطراف أصابعهم فى انتظار قرار الوزير بالتأجيل، فيخطفوه ويشيعوا فى البرية ما يسئ إلينا وإلى الدين العظيم!
"رايق" وزير التعليم هذا، فهو يتخذ قرارته وعينه على الغرب، مع أن قرار التأجيل ليس فيه ما يسئ، فما يسئ حقا، هو ما جرى فى امتحانات الثانوية العامة من تسريب للامتحانات، وتزوير فاضح ومكشوف، وهو لا يسئ لنا أمام العجم وحسب، ولكنه أمام العرب أيضا.. العاربة والمستعربة والاقحاح، ويشكك فى العملية التعليمية فى مصر برمتها، فى وقت تحتشد فيه دول الخليج من الارتقاء بمستوى التعليم عندهم، ويهتمون بإرسال أبنائهم للخارج للتعلم، وأصبحوا لا يكتفون بما يحمله المصرى من شهادات علمية، وإنما يخضعونه – دون غيره – لاختبارات ليتحققوا من جدارته بالمستوى التعليمى المدون فى أوراقه الخاصة! وقد جاءت كارثة الثانوية العامة لتزيد الطين بلة، وتجعل رقابنا كالسمسة من الخجل، فى مواجهة من كانوا، وإلى وقت قريب، لا يعرفون كيف يتعاملون مع نعالهم، وهل يضعونها فى أرجلهم أم فوق رؤوسهم!
تأجيل الدراسة إلى ما بعد رمضان مطلب جماهيرى هام، ونعلم أن حكومتنا الرشيدة ليست معنية بالاستجابة لمطالب الجماهير. وكولى أمر أرى كيف تطفح السيدة حرمنا "الكوتة" فى هذا الشهر.. فهى تقريبا لا تنام!
ومن الآخر، فإن شهر رمضان هو شهر كسل، وأنا فيه أفقد القدرة على التركيز، بدون جوع أو عطش، لمجرد إحساسى بأننى صائم، وهو شهر بهدلة، لأن الناس مضطرة لأن تعود إلى بيوتها فى وقت واحد!
ومن المؤكد أن الأمر لا يعود إلى الصيام، بقدر ما يعود إلى عجز الدولة عن حل أزمة المرور، التى تتفاقم فى هذا الشهر الفضيل لطبيعته، والمشكلة أيضا فى أن العملية التعليمية تقوم على تحويل البيوت إلى مدارس، والأمهات إلى مدرسات، ولن أقول إن هذا سيمنعنا من الاستمتاع بالدراما ليلا، ولكنه يتضارب مع فكرة قيام الليل يا سيادة الوزير!
كأن الوزير – دعك من أركان حربه – لم يكن له أبناء فى المدارس، وكأنه عندما كان له أبناء فيها، لم يكونوا يتعاطعون الدروس الخصوصية، وكأنهم كانوا "معفيون" من الواجبات المدرسية التى تقصم ظهورهم، كأنه لم يكن معنيا بالامتحانات، وكأن هناك من كان يسرب له أوراق الأسئلة.
إن العملية التعليمية لم تكن ستنهار لو تم تأجيل الدراسة إلى بعد رمضان، ومدها تعويضا فى نهاية العام، بل لا أظن أنها ستنهار لو تم حذف جزء من المناهج يتفق مع الخصم من أيام السنة الدراسية، لأن المناهج فى الأصل قائمة على الحشو! ويا من عشمتنا بالحلق، حتى إذا خرمنا آذاننا قلت لنا بصرة.. إلهى تموت فى حادث توك توك!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة