د.أحمد راسم النفيس

حالة فوضى وابتذال

الأربعاء، 24 سبتمبر 2008 03:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) البقرة 11-12.
حالة عارمة من الفوضى يعيشها المسلمون بسبب السيل الهادر من الفتاوى والتصريحات التى يطلقها بعض الشيوخ، الذين نصبوا أنفسهم أولياء أمر لهذه الأمة المنكوبة ومرشدين لها، رغم أنهم بحاجة لمن يقودهم أو يعلمهم المشى على طريقة برايل لئلا يوقعوا أنفسهم والناس وراءهم فى مزيد من الحفر والمطبات وكأن ما فينا لم يعد يكفينا!!.

شيخ غسيل الذنوب
كنا نسمع من قبل بغسيل الأموال وأخيرا طلع علينا أحد شيوخ الفضائيات بتخريجه غسيل الذنوب، زاعما أن أصحاب بعض القنوات الدينية يستهدفون من ورائها (غسيل الذنوب مثل غسيل الأموال مثل شخص يعمل طول السنة ذنوب وبعدين يروح يعمل عمرة علشان يغسل ذنوبه)، وطبعا ختم تصريحاته بتحريض على الشيعة البرابرة الذين يريدون غزو مصر واحتلالها!!.

وقبل أن يمر أسبوع على تخريجه غسيل الذنوب طلع علينا مفت آخر بفتوى تقول إن ما يفعله هؤلاء ليس ذنوبا، بل هو فساد فى الأرض ومحاربة لله ورسوله وأن هذه الذنوب والآثام لا يغسلها إلا الدم، حيث أفتى الشيخ اللحيدان ردا على سؤال حول الموقف من ملاك القنوات الفضائية العربية: "إن من يدعون إلى الفتن إذا قُدر على منعه ولم يمتنع قد يحل قتله؛ لأن دعاة الفساد فى الاعتقاد أو فى العمل إذا لم يندفع شرهم بعقوبات دون القتل جاز قتلهم قضاء. فالأمر خطير لأن الله جل وعلا لما ذكر قتل النفس قال: "أو فساد فى الأرض" فالإنسان يقتل بالنفس أو بالفساد فى الأرض، وإفساد العقائد، وإفساد الأخلاق، والدعوة لذلك نوع من الفساد العريض فى الأرض".

الشيخ الأول يؤمن بالقياس كوسيلة من وسائل الاستدلال الشرعى، ولذا فهو يقيس (غسيل الذنوب) على (غسيل الأموال) الثابت صحته لديه، كما هو واضح من النص المنقول بحرفه!!.
الشيخان الأول والثانى يعتقدان أن ما تقدمه هذه (القنوات اللا دينية) هو فسق وفجور وفساد عظيم!!, إلا أن الأول يرى أن من كفارة الذنوب العظام قيام قناة دينية بتقديمه للناس ليفتى بغسل الأموال والذنوب, بذنوبٍ أشد منها هولاً، وقديما قالوا (بطينه ولا غسيل البرك)!!.
أما الثانى فيؤمن بمقولة (القصرى) الخالدة: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى إلا إذا أريقت على جوانبه الدما!!.

الشيخ الثالث هو الشيخ القرضاوى الذى قرر أن يفرغ ما فى بطنه من أعاجيب، مضيفاً نوعاً رابعاً من الغسيل هو غسيل البطن، حيث يرى الشيخ المبجل أن المجتمع ينتظر على أحر من الجمر مجىء حكومة الجماعاتيين: (المجتمع ليس رافضاً للجماعات الإسلامية بل يرحب بهم وفى وقت من الأوقات انتخب الناس الإسلاميين وحصلوا على ٨٨ مقعداً فى البرلمان المصرى من حوالى ١٠٠ منطقة رشحوا أنفسهم فيها، رغم عدم وجود ديمقراطية، والأصل فى الأزمة أن الحكام لا يريدون أن يتزحزحوا عن مناصبهم). وعندما سئل الشيخ هل أنت شخصياً مقتنع بكفاءتهم للوصول إلى الحكم؟ قال (نعم ماداموا سيحكمون وفقاً للشريعة..). طبعا لم يحدد لنا الشيخ أى جماعة سيرخص لها بدخول الانتخابات وهل سيشمل هذا الترخيص تنظيم القاعدة والتكفير والهجرة والجهاد أم أن الترخيص حصرى للإخوان لأنهم الجماعة الوحيدة التى فهمت الإسلام فهما صحيحاً شاملاً كاملاً؟!!!.

يزعم الشيخ أن: نظرية «الحق الإلهى» كانت أحد اختراعات الكنيسة الغربية من أجل إحكام قبضتها على الشعوب، وكانت النتيجة أن ظهرت العلمانية فى وجه هذه النظرية لتفصل الدين عن الدولة، أى دين الكنيسة التى تحكمت فى الناس ومصائرهم، وعندما جاءت النهضة وقفت الكنيسة فى وجه التقدم والعلم، كما وقفت مع الحكام ضد الشعوب ومع الجهل ضد العلم، ومع الإقطاعيين ضد الفلاحين، فكان لابد من الوقوف فى وجه دين الكنيسة...
ويبدو أن المشكلة عند الشيخ تنحصر فى كلمة كنيسة أما إذا فعل شيخ الإسلام القرضاوى نفس الشىء (فنحن أمة علمت العالم ونحن صناع النهضة فى الشرق والغرب فضلا عن أننا صناع الحياة)!!.

بماذا نسمى ما فعله الشيخ القرضاوى فى كتاب (الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد) عندما جمع الروايات المزورة على رسول الله، والتى توجب السمع والطاعة لأئمة الجور من أجل إقناع من يسميهم بشباب الصحوة، بعدم الخروج على النظم الحاكمة وأن من فارق أمراء المؤمنين القدامى والمعاصرين شبرا، فميتته ميتة جاهلية ثم أوضح المعنى بما لا يدع مجالا للشك، حيث نقل عن الشوكانى أن "من فارق الجماعة شبرا كناية عن معصية السلطان أو السعى فى حل عقد البيعة التى حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شىء فميتته ميتة جاهلية أى أن حاله فى الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام يطاع) ص 319 أو كما قال الشيخ القرضاوى!!.

أليس هذا هو الحكم بالحق الإلهى؟!.
لو كان الإسلام وفقا للصياغة الأموية التى يؤمن بها الشيخ ويبشر بعودتها على يد تلاميذه الجماعاتيين لا يؤمن بنظرية الحق الإلهى، فليقل لنا ما هو رأيه فى قميص الخلافة الذى رفض عثمان ابن عفان خلعه وما رأيه فى تلك الرواية التى نعتقد نحن بأنها مزورة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان إن الله مقمصك قميصا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه).

لم يفوت الشيخ القرضاوى فرصة التحدث لوسائل الإعلام دون أن يمارس هوايته المفضلة وهى التحريض على شيعة أهل البيت فى مصر واصفاً لهم بأنهم: (مبتدعون وخطرون ويحاولون غزو المجتمع السنى ولديهم ثروات بالمليارات وكوادر مدربة على التبشير بالمنهج الشيعى فى البلاد السنية، والمجتمع السنى ليست لديه حصانة ثقافية ضد الغزو الشيعى، فنحن العلماء لم نحصن السنة ضد الغزو المذهبى الشيعى لأننا دائماً نعمل القول «ابعد عن الفتنة لنوحد المسلمين» وتركنا علماء السنة خاوين. للأسف وجدت مؤخراً مصريين شيعة وهو ما يجب أن نحذر منه ونقف ضده فى هذه الفترة لنحمى المجتمعات السنية من الغزو الشيعى، وأدعو علماء السنة للتكاتف ومواجهة هذا الغزو لأنى وجدت أن كل البلاد العربية هزمت من الشيعة: مصر، السودان، المغرب، الجزائر وغيرها، فضلاً عن ماليزيا وإندونسيا ونيجيريا).

حالة ابتذال وتخلف!!
الجديد هذه المرة أن الرد الصفعة القاسية جاء على لسان رئيس تحرير صحيفة الرياض الذى قام أولا برفع تصريحات القرضاوى من موقع الجريدة ثم علق بقوله: العالم المتقدم لم يحقق تفوقه صدفة ولا باجتهاد فئة معينة، ولكن لأنه خرج نهائياً بعيداً عن مؤثرات التخلف قبل مائتى عام.. العلاقة بين دول الغرب لا تنظمها إيعازات تدخل مبطن من دول أخرى ولا تستميلها مؤثرات طائفية أو عرقية، ولكن ترابط المصالح المشتركة العائدة لمصلحة المجتمعات هى التى تدفع نحو توثيق التقارب. فى عالمنا العربى يختلف الوضع تماماً ولا يتوقف الأمر عند حدود الاستجابة لمغريات طائفية أو عرقية، ولكنه يتجاوز ذلك حين تفتح تلك المغريات مسارب نفوذ أجنبى يشرّع وجاهة الخلافات بل الاقتتال.. إذا كان هناك دول عربية تورطت بتوطين هذه المفاهيم ومباركة الصراعات المسلحة على أنها أداء وطنى مشرف، فنحن ضد كل هذه التوجهات، وأخطر معيق لتسارع تطور مجتمعنا هو الانصراف نحو هذا النوع من الابتذال فى المواطنة..

"القرضاويات" الأخيرة حسب رأى الجريدة هى (استجابة لمغريات طائفية وعرقية تفتح الباب أمام نفوذ أجنبى يشرع الاقتتال وأن دولاً عربية تورطت بتوطين هذه المفاهيم ومباركة الصراعات المسلحة وهى نوع من الابتذال فى المواطنة)!!.

إنها حالة من الابتذال والفوضى يسعى هؤلاء الشيوخ لتعميمها بحثاً عن دور أو وظيفة إما فى غسل الأموال والذنوب أو فى إطار خطة (محاربة الغزو الشيعى) التى يبدو أنها وضعت على الرف حتى إشعار آخر، ونرجو أن تكون الرسالة "الصفعة" الآتية من الرياض عبر جريدة الرياض قد وصلت إلى الشيخ القرضاوى: (اذهب أنت والمصرى اليوم فقاتلا, إنا هاهنا قاعدون).








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة