جاءت الأديان السماوية بمجموعة من القيم والأخلاقيات، التى تضمن للمجتمعات البشرية الرقى السلوكى والتعامل الراقى بين بنى البشر، فحكمة الله قضت أن تتنوع اتجاهات واعتقادات البشر، وترك الله الحرية المطلقة للإنسان فى اختيار طريقه فى الحياة، وجاءت رسالة الإسلام الخاتمة، لتؤكد على حرية الاعتقاد "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" "لكم دينكم ولى دين".
فقد كفل الإسلام للجميع حرية اعتقاد ما يشاءون دون اعتداء طرف على آخر، أو النيل من معتقداتهم، وأكد على أن هناك مظلات تجمع بين البشر، باختلاف معتقداتهم واتجاهاتهم، ومنها مظلة الوطن التى تشمل الجميع وتعطى للكل حق الجوار، الذى أكد عليه نبينا محمد صلى الله علية وسلم بقوله "مازال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"، وقد أجمع أهل العلم على أن كلمة الجار مطلقة، وغير مقيدة بعقيدة، بل إن أصحاب العقائد الأخرى لهم حقوق أكثر من المسلمين الصالحين، ولعل ما قام به نبى الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم الذى شهد له الجميع بعدله وحسن تعامله مع كل من دب على الأرض، من احترام الجوار وحسن التعامل مع أبناء الوطن، خير دليل على مدى حرص الإسلام على تقوية نسيج الوطن وصف الصفوف لتقوية الوحدة الوطنية، بل وأفضل دليل على ذلك، ما تعاهد عليه النبى الكريم مع يهود المدينة والوثيقة التى نظمت كل الحقوق المدنية للطرفين التى لو التزم بها كل الأطراف لساد المجتمع الوحدة والقوة والمُآخاة ولو اختلفت العقائد.
وكعادتهم التزم المسلمون بما تم التعاهد عليه حق الالتزام، لكن للأسف تغلب على اليهود طبائعهم فمكروا شر مكر، واعتدوا شر الاعتداء على المسلمين، تارة بالاعتداء على المسلمات، وتارة أخرى بالتعاون مع الأعداء، أثناء الحروب بل وصل بهم الأمر، إلى أن حاولوا اغتيال النبى الكريم مرتين، أولاهما عندما حاولوا إلقاء الحجر عليه، ولكن أنقذته العناية الإلهية وأخبره جبريل بما يدبر له، والثانية عندما دست المرأة اليهودية له السم فى الطعام.
ومن هذا المنطلق أؤٌكد لشركاء الوطن من المسيحيين وعلى رأسهم الصديق العزيز د. سامح فوزى الذى طلب منى فى مقاله (احترام الأديان على عكاز)، أن انضم إليه فى مسيرة الحفاظ على نسيج الوحدة الوطنية، وأنا أؤكد له أننا كمسلمين مطالبون شرعا بالمحافظة على النسيج الوطنى وحسن التعامل مع شركاء الوطن ونتعايش جميعا بصورة سلمية، يجمعنا قلب الوطن، فقد علمنا النبى الكريم أن من أذى ذمى (أى أصحاب الديانات السماوية) فكأنما أذى النبى صلى الله عليه وسلم.
وهنا علينا أن نوضح مجموعة من الحقائق التى لابد من مراعاتها حتى يسود الحب المتبادل بين قطبى الوطن ومنها:
◄ أن أمر الاعتقاد أمر دينى يقوم أهل العلم دوماً بتعريفه لأبناء ملتهم، وبالطبع سيكون فى ذلك خلاف كبير مع معتقدات الديانات الأخرى، فليس من المعقول أن نطالب رجال الكنيسة أن يُدرسوا عقائد المسلمين بكنائسهم، وبالطبع سيكون من المستحيل أن نطالب المسلمين بعكس ذلك الأمر، ولذا عندما نتعرض لكلام د. زغلول النجار نجد أنه يأتى تحت هذه المظلة، فإنه يوجه حديثه لأبناء ملته من المسلمين ولا يقصد به إيذاء المسيحيين، كما أننى أسمع شرائط لبعض القسيسين يتناولون فى مواعظهم بالكنائس معتقدات المسلمين بتجريح كامل، ولعل ما يُنشر بجريدة وطنى من مقالات عقائدية تناقش العقيدة المسيحية واختلافها مع أصحاب الأديان الأخرى، ومحاولات رجالات اللاهوت تفنيد عقائد المسلمين وغيرهم، يأتى تحت هذه المظلة أيضاً، ولكن لابد على الجميع احترام عقائد الآخرين والبعد عن التراشق فى وسائل الإعلام، والعمل فى المساحات المشتركة بين الطرفين وهى كبيرة.
◄ لن نجد مسلما يجرؤ على التعرض للمسيح عليه السلام، كما يفعل يوتا وذلك البطرس وغيرهم من المتطرفين فى إساءاتهم لنبى الإسلام صلى الله عليه وسلم، لأن من يفعل ذلك من المسلمين فقد أصاب إيمانه واعتقاده بمقتل.
◄ لابد أن يعلو صوت العقل فى القضايا الوطنية، ولابد أن يتدخل علماء المسلمين ورجال الدين المسيحى، من أجل التصدى للتعصب الأعمى والحماس غير المرشد لدى بعض الشباب، الذين فهموا دينهم خطأً وتناسوا قيمة التسامح، وترتب على بعض تصرفاتهم نشوب حوادث طائفية لا تعبر أبداً عن عمق العلاقات بين قطبى الوطن.
◄ كما على الجميع من أبناء هذا الوطن، أن يعلموا جيداً أن العلاقات الاجتماعية والتاريخية بين المسلمين والمسيحيين، فى قرى ونجوع مصر أعمق مما يتصوره المغرضون، فهذه العلاقات سد منيع أمام ما يخطط له من قبل أحفاد الشيطان الذين يطلقون على أنفسهم أقباط المهجر.
◄ ومن الحقائق التى لابد أن نعترف بها جميعا، أن وطننا الحبيب يعيش كبوة بسبب استبداد نظام أفسد كل مناحى الحياة، وعلى الجميع أن تتضافر جهودهم من أجل بناء الوطن والنهوض به.. فلن نهدر أوقاتنا وجهودنا فى معارك عنصرية وطائفية يخطط لها من الخارج وتنفذ بأيدى حفنة تعاقدت مع الشيطان.
لا للمغرضين
لا أستطيع أن أنهى كلمات مقالى دون التأكيد على أن مصر لكل المصريين مسلمين ومسيحيين، لكنها ليست للمغرضين الذين يريدونها فتنة، تدمر تاريخ وطن شهد له العالم بقوة نسيجه الوطنى، كما أؤكد للمتطرفين من أقباط المهجر، أن مصر لن تكون فى يوم من الأيام لبنان آخر، وأن إساءات يوتا وزكريا بطرس، ومدحت قلادة الذى وصف تاريخنا الإسلامى بالتخلف وشعبنا بالدهماء والغوغائيين كما أورد فى مقاله المنشور على اليوم السابع بتاريخ 22 من الشهر الجارى، ما هو إلا دليل واضح على عنصرية وتطرف هؤلاء الحالمين بالعودة لمصرنا على فوهات الدبابات الأمريكية، بل ولعل خير دليل على عنصريتهم والعمل ضد مصلحة الوطن، مؤتمراتهم المستمرة لتعبئة الرأى العام فى أمريكا والغرب، ضد المسلمين والنظام المصرى، بناء على مخططات مشبوهة، وأيضاً تمويلهم لمراكز بحثية تخصصت فى التنصير وسب الإسلام، وهذه الوقائع تفند ما يحاول قلادة أن ينفيه فى مقالاته، ولو أرادوا فعلاً أن يحققوا أحلامهم فى المواطنة لعادوا لوطنهم وخلعوا عنهم رداء الأمريكان وشاركونا النضال أمام النظام الفاسد، لكنهم اختاروا الطريق السهل والعيش فى أحضان الرفاهية سواء فى زيورخ أو واشنطن، وبث الفتنة بين قطبى المجتمع المصرى.
ولكن أُريد طمأنة المخلصين لهذا الوطن أن ما يقوم به أقباط المهجر، لن يزيد عن مجرد سحابة تمر فى سماء الوطن الصافية الدافئة بالعلاقات الوطيدة بين قطبى الوطن المليئة بالنور ليلها كنهارها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة