خالد الشريف

فرحتنا بالعيد

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008 11:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أتى الإنسان إلى هذا العالم، و"الفرح" شعور ذاتي يمارسه في حياته، وطقس شعوري يتوافق مع فطرته التي نشأ عليها، ومن هنا كانت الأعياد موسما إنسانيًّا، يجدد لوحة الحياة بألوان السعادة، ويبعث النفس بعد تراكم الهموم والأحزان التي لا تخلو منها الحياة، إلى فضاء جديد من السرور والبهجة.. والإسلام دين الفطرة، ولذلك شرع الله للمسلمين عيدين: عيد الفطر، وعيد الأضحى؛ فعن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قَدِم المدينةَ وجدهم يحتفلون بعيدين، فقال صلى الله عليه وسلم: (كان لكم يومانِ تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى)..

والعيد أفراح ومباهج وصفاء ونقاء، { قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون}. ففيه تتصافح القلوب، وتتصافى النفوس، فلن يذوقَ طعمَ الفرح بالعيد قلبٌ تأكله الأحقاد، أو ضميرٌ يسكنه الغش..ولنحلم بغدٍ مشرق تلوح تباشيره في الأفق البعيد.. وللأسف الشديد يخطئ كثير من الناس في فهم العيد، ومعانيه، فجعلوه موسما للنواح، والتذكير بآلام المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا حق، إلا أن المقام مقام فرح وبهجة وليس مقام حزن وهم .. بل ويردد البعض قول المتنبي الشهير:

عيدٌ بأية حالٍ عُدت يا عيدُ
لما مضى.. أم لأمرٍ فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهُمُ
فليتَ دونك بيدًا.. دونها بيدُ

وهي نظرة متشائمةٌ، تتنافى مع مقصود العيد، الذي شُرِعَ للفرحة والبهجة والسرور.. فينبغي أن نترك أحزاننا خلف ظهورنا ونحن نحتفل بالعيد، ونرسم البسمة على وجوه أطفالنا وأهلنا، ونملأ الدنيا فرحا وسرورا وابتهاجًا.

وما أصدقَ قولَ الأستاذ سيد قطب رحمه الله في كتابه العظيم في ظلال القرآن : "لا شيء في هذه الحياةِ يَعْدِلُ ذلك الفرَحَ الرُّوحِيَّ الشفيفَ الذي نَجِدُه، عندما نستطيعُ أن نُدخِلَ الثقةَ و الأملَ و الفرحَ إلى نفوسِ الآخَرِين! إنها لذةٌ سماويةٌ عجيبةٌ، ليست في شيءٍ مِن هذه الأرض… إنَّ هذا لَهُوَ الفَرَحُ النَّقِيُّ الخالِصُ، الذي يَنبُعُ مِن نُفوسِنا، ويَرْتَدُّ إليها، بِدُونِ حاجةٍ إلى أيِّ عناصرَ خارِجيَّةٍ عَن ذَواتِنا؛ إنه يحمل جزاءَه كامِلاً؛ لأنَّ جَزاءه كامِنٌ فيه!". ومن حقنا أن نفرح بالعيد بعد تمام الطاعة من صيام وقيام، مستبشرين بالأجر والثواب من عند رب العالمين : (فَرِحِينَ بما آتاهُم اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ويستبشِرون).
وكيف لا يفرح المسلم بيومٍ وَعَدَ الله فيه الصائمين القائمين بأنْ يغفرَ لهم هفواتِ العُمرِ كلَّها، ويطهِّرَهم من ذُنوبِ السِّنين أجمعِها؛ مِصْدَاقًا لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِه)! من حَقِّنا أنْ نفرح، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَّرَنا بهذا الفرح: (للصائم فَرْحتان ..فَرْحَةٌ بفطره، وفرحة بلقاء ربِّه). ومن المهم هنا أنْ نَذْكُرَ أن كثيرًا من أهل العلم أكّد أن من علامة قبول الصيام والقيام في شهر رمضان أن يكون المسلم فيما بعد رمضان من الصالحين المتعبِّدين، الذين يتقرَّبون إلى الله في شوال، كما كانوا يتقرّبون إليه في رمضان؛ فقد انتفعوا بتلك الأنوار، ونَفَحتْهم بركاتُ الأسحار!

ومن المهم أن نعرف أن العيد من أعظمِ المناسباتِ التي تُذكِّرُ المسلمين بالفرحِ الأكبرِ، يوم تُبدَّلُ الأرضُ غيرَ الأرضِ والسموات! ورحم الله الإمام ابنَ القيم؛ حيث قال عن العبدِ الذي يستيقظُ من رقدة الغافلين: "فإذا انتبه شمَّرَ لله بهمَّتِهِ إلى السفر إلى منازلِه الأُولى، وأوطانِهِ التي سُبِيَ منها:

وصُمْ يومَك الأدنى لعلَّكَ في غدٍ ** تفوزُ بِعِيدِ الفِطْرِ والناسُ صُوَّمُ
وإنْ ضاقتِ الدنيا عليكَ بأسرِها ** ولم يكُ فيها مَنْـزِلٌ لكَ يُعْلَمُ
فَحَـيَّ عَلَى جَنّاتِ عَدْنٍ؛ فإنها ** مَنازلُـنا الأُولَى، وفِيها المُخَيَّمُ!
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.. وكل عام أنتم بخير وسرور وبَرَكة!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة