هشام طلعت متهم بالتحريض على قتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم. هذا ما نطق به بيان النائب العام. بالطبع المتهم برئ إلى أن تثبت إدانته، ولا نريد أن نقع فى خطأ الحديث عن قضايا متداولة فى المحاكم، أو نكون طرفاً فى تصفية صراعات بين أهل السلطة. هناك كثيرون قاسوا من ذلك، ونالوا حكم البراءة فى نهاية المطاف، لكن ما أريد التوقف أمامه، هو سؤال يبدو فلسفياً، لكنه مهم لفهم نكبة النمط الحالى من الرأسمالية الصاعدة فى المجتمع المصرى.
هشام طلعت هو صاحب مشروع "مدينتى"، ومن قبله "الرحاب"، فكيف يمكن لبانى "مدينة عالمية على أرض مصرية"- حسب الإعلان والدعاية - أن يرسل شخصاً يجوب عواصم العالم من لندن إلى دبى، مقتفيا أثر فنانة، حتى يذبحها فى نهاية المطاف. حوادث القتل تحدث كل يوم فى أى مكان فى العالم، لكن الذين يقتلون، ويحرضون على القتل، هم نوعية من البشر لا تملك أن تبنى حضارة، سواءً فى شقيها المادى أو الفكرى إذا ثبت الاتهام، فإن معنى ذلك أن هناك من كبار الرأسماليين فى هذا البلد من يبنى بيد، ويقتل باليد الثانية، وهو أمر غريب، ولا ينم عن سلوك رأسمالى حقيقى.
فى الدول الرأسمالية، والتى نصِفُها أحياناً بالرأسمالية المتوحشة، لا تعرف هذا النمط من الجرائم الخسيسة، وعلى العكس نرى هؤلاء الرأسماليين يبنون مجتمعاتهم، ويتبرعون لبناء مستشفيات، وجامعات تعبيراً عن مسئوليتهم الاجتماعية تجاه المجتمع. التوحش الذى ننعت به الآخرين لإدانتهم على تحقيق التراكم المادى، لا يتوازى مع "التوحش" العملى الذى يمارسه فريق من الرأسمالية، التى نَصِفُها "بالطفيلية"- وأنا لست يسارياً بالمناسبة - فى مجتمعنا، ليس فقط بالمضاربات، ورفع الأسعار، ولكن فى البلطجة، وتجنيد المجرمين.
بيان النائب العام يشير إلى أن هشام طلعت أعطى رجل شرطة سابقاً كلفه بقتل الفنانة مليونى دولار، أى أكثر من عشرة ملايين جنيه مصرى، هذا عدا مصروفات العملية من لندن إلى دبى. بالله عليكم، كم يفعل هذا المبلغ لتغيير "نوعية الحياة" لعدد من الأسر المصرية؟ إنى أزعُم أن هذا المبلغ سوف يزوج - على الأقل - مائتى شاب وشابة يحلمون ببيت، وأسرة، وقد يستخدم لعلاج عشرين حالة نقل كبد لمرضى ينتظرون فى لهفة الحياة من يمد لهم يد المساعدة والعون، وقد ينفق لإدخال المياه النظيفة، والصرف الصحى لقريتين على الأقل من القرى المصرية المحرومة، وقد يستخدم لبناء عشر مدارس نموذجية، وعصرية، متقدمة، لأبناء مصر الذين يتوقون لتعليم أفضل، وقد يستخدم لبناء جامعة مصرية جديدة، تستوعب أعداداً من الطلاب والطالبات، وقد يستخدم للإنفاق على عشرين طالباً متفوقاً للحصول على درجة الماجستير من بريطانيا، التى أرسل إليها الضابط القاتل خلف الفنانة البائسة.
فقط أعطونى عشرة ملايين جنيه مصرى، وسوف أغير شكل الحياة فى أى مجال تريدونه، وإذا أعيتنى الحيل، فسوف أشترى بها طعاما أوزعه على الفقراء، لم يعد سؤالهم ماذا سنأكل؟ ولكن متى سنأكل؟ رأيتم الفرق بين رأسماليتهم "المتوحشة"، ورأسماليتنا نحن "الطفيلية".. رأسماليتهم المتوحشة تبنى مدارس ومستشفيات، أما رأسماليتنا دون تعميم، تنفق أموالها على القتل، وهى الأموال التى كسبتها من عرق ودموع أبناء الشعب المصرى، ومن مدخراتهم الصغيرة والكبيرة.
إننى لا أنتظر حكماً فى هذه القضية، لأن المسألة بالنسبة لى ليست حكماً وقضاء، لكنها فى المقام الأول تعبيراً عن سلوك رأسمالى خطر على مجتمعنا، وكثيراً ما نبهنا إلى أنه خطر داهم، أن تصبح الثروة فى يد من لا يستطيع أن يترجمها إلى عمل منتج، بل ينفقها فى نزوات، وجرائم، وفى النهاية الفلوس فلوسه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة