هانى صلاح الدين

رمضان وصديقى الشيوعى

الخميس، 04 سبتمبر 2008 01:42 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كلما أظلنى شهر رمضان المبارك، امتلكنى شعور الفرحة، فرحة المذنب الذى ينتظر العفو، بل فرحة المتعب الذى جاءته واحة الراحة من بعد مشوار طويل مع صراعات الدنيا، كما يمتلكنى شعور عند الصوم بالسمو عن أوحال المادة التى تغرق أرواحنا فى بحر مليء بالشهوات.. إنها حالة روحانية لا يستشعر بها إلا من ذاقها وعاش معها.

لكن عكر صفو حالتى هذه لقاء جمع بينى وبين صديق لى يفتخر بأنه شيوعى، حيث بدأ لقائى به بسؤال جعلنى أشفق عليه، فقال لى لما تعذب نفسك بصيام ساعات طوال على مدار 30 يوماً؟ فأجبته بل قل أٌنعم نفسى بصيام هذه الساعات التى تجعلنى إلى الله أقرب وعن شهوات الدنيا أبعد وللحقد والكراهية وأذى الناس أبغض وفى حب كل البشر أرغب. فسألنى وهو يطير دخان سيجارته ملوثاً بها أجواء الصيام العطر، هل فعلا تستشعر بالسعادة عندما تصوم وهل تستشعر بسمو الروح، أم أنها مجرد كلمات تحاول أن تتظاهر بها ويضحك بعضكم بها على بعض؟

فقلت له لو علمت ما يشعر به الصائم القائم المتذلل لربه من لذة روحانية وسمو إيمانى، لعلمت أن فى ذلك مكمن السعادة المطلقة، فالسعادة الروحانية واللذة الإيمانية أعلى وأسمى من اللذة الجسدية التى تزول بعد دقائق من انقضائها، وليس معنى ذلك أننى أنكر عليك اللذة الجسدية، ولكن من أجل أن تكتمل السعادة لابد أن تجمع بين اللذة الروحية والجسدية، فالإسلام حافظ على متطلبات الجسد المختلفة كما أنه حثنا على الرقى الروحى.

وسألته سؤالاً مباشراً: هل تستشعر السعادة وأنت بهذه الحال _ وعلى الفور وجدت إجابة سؤالى بين طيات عينيه وكأنها تقول إنى لحائر متعب تائه – ولكنه رد على: لما لا، فأنا أفعل ما أشاء وقت ما أشاء لا يمنعنى شيء، ليس لدى محاذير تمنعنى أن أفعل ما أريد، فأنا حر طليق ولا أسعى لأذى أحد!

فقلت له هل هذا هو معنى الحرية، وسألته هل من أجاد وأحسن فى عمله ووظيفته والتزم بالقوانين واللوائح التى تنظم هذا العمل، سيكون متساويا مع من قال أنا حر أعمل عملى على طريقتى، وأطلق لنفسه العنان سواء قصر فى العمل أو أجاد؟ أدرك صاحبى ما أريد أن أقول، وقال بانفعال كبير: نفسى لا تطيق كل ما يفرضه الإسلام، رغم أنى بداخلى شيء يؤرقنى بسبب ما أفعله.

فقلت له هذا ضميرك الحى الذى يريد أن يريك الطريق الصحيح فلا تقاومه وأترك له الفرصة، فنحن من غير صوت الضمير والعقل سنكون كالأنعام بل أضل سبيلاً، فوجدته يلعن اللحظات التى جمعتنى به فى نهار رمضان، وكعادته وجدته يودعنى بكلمته المشهورة عنه "إلى الجحيم سلام يا صديقى اللدود". ولم أملك أمام حاله إلا أن أشفق عليه من حالة التوهان التى يعيشها.

وعندما توجهت لمسجد بلدتنا لأداء صلاة العشاء والتراويح، كانت هناك مفاجأة لم أتوقعها أبدا، فوجدت بين صفوف المصلين صديقى الشيوعى فى أول صف، وما إن دخلنا الصلاة حتى ارتفعت نبرات صوته بالبكاء وأنين التوبة، فقلت فى نفسى سبحان الله الذى يقلب القلوب كيفما شاء، إنه هدى الله يمنحه لمن يريد وقت ما يريد، فهو صاحب الإرادة المطلقة عز وجل.

وما إن فرغت من الصلاة، إلا ووجدت نفسى منطلقا نحو صديقى، هنأته وطلبت منه أن يسامحنى على سوء معاملتى فى بعض الأحيان، فوجدته يقول لى: هل سيقبل الله توبتى؟ فقلت أكيد فهو الغفور الرحيم. لكنه ترك لى دروسا وعبراً، لا تحصى ولا تعد، على رأسها ألا ننظر لأى شخص كان من كان نظرة دونية، حتى لو كان ألد الأعداء، كما أننا علينا جميعا أن نلتمس إلى الله الطريق، فالعبرة بالخواتيم وما سحرة فرعون منا ببعيد. وعلى الجميع أن يتعامل مع الآخر كأنه يتعامل مع أعز أصدقائه،

فمن خلال التسامح وقبول الآخر سنستطيع تضييق الفجوة بيننا، وسنجد مساحات كبيرة نتقابل فيها، وننطلق منها لمصالحة تخدم مصلحة الوطن وتقرب وجهات النظر. كما على كل منا أن يراجع حياته بصورة دورية، ليصحح المسار ولا يقتل صوت الضمير والعقل داخله، ويعدل عن الخطأ ويسير بسفينة حياته فى بحر الحق والخير، حتى يصل فى النهاية لشاطئ رحمة الله وأمانه. إن رمضان فرصة حقيقية لصفحة جديدة مع الله، والبشر، بل مع الكون كله.

hany673@hotmail.com








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة