أتمنى ألا يخوفنا أحد بأن الاقتصاد المصرى سيهتز، وأن البلد اتخربت لمجرد أن رجل أعمال أو حتى عدة رجال أعمال ارتكبوا جرائم وتم تحويلهم إلى النيابة ومنها إلى القضاء، فللأسف هناك من يردد هذا الكلام الخطير ليزرع فى قلوبنا الفزع، فهم ليسوا رجال أعمال فقط، ولكنهم مؤسسات كبيرة يعمل فيها آلاف المصريين، وكأنه يدعونا إلى أن نتجاوز عن القتل والسرقة والرشوة وغيرها حتى لا تضيع البلد.
النموذج الفج لهذا المنطق الفاسد هو ما قاله رجل الأعمال محمود الشناوى لموقع اليوم السابع وهو بالمناسبة رئيس مجلس إدارة جريدة الميدان، فقد دافع عن رجل الأعمال محمد فريد خميس، مؤكدا أن ما حدث معه "خطة لتدمير رجال الأعمال المصريين، فخميس ليس مجرد شخص عادى، وإنما يمثل مؤسسة تحمل على عاتقها مصالح آلاف المصريين الذين يعملون معه". وأضاف الرجل: "التلاعب برموز سياسية تجارية، مثل محمد فريد خميس يهز الاقتصاد المصري، نظراً لارتباط أعماله بمصالح آلاف المواطنين، ومكانة شركاته فى البورصة المصرية."
نسيت أن أقول لكم أن السبب فى كل هذا الدفاع المستميت أن رجل الأعمال محمد فريد خميس متهم فى قضية رشوة لقضاة، وكما هو معروف يتولى خميس موقع رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشورى. وقد تأثرت شركة النساجون الشرقيون بعد اتهامه فى قضية الرشوة، فهبط سعر السهم بنسبة 7% .. فهل الحل هو أن نترك رجال الأعمال يعيثون فسادا فى الأرض دون محاسبة حتى لا يهتز الاقتصاد المصري. وهنا لابد أن نسأل الشناوي: هل تحقق النيابة مع فريد خميس فى هذا الاتهام، أم تبرأه دون أى تحقيق لأنه يمثل مؤسسة ولأنه ليس مجرد شخص عادى؟ وهذا لا يعنى أن خميس أو غيره مدانون، فالمتهم برئ حتى تثبت إدانته، ولكن الفكرة هى فى تطبيق القانون.
الحقيقة أن ما قاله محمود الشناوى ليس استثناءً، ولكنه مزاج عام لدى الكثير من رجال الأعمال، بل ولدى قطاع واسع من النخبة الحاكمة، فهناك زواج حرام بينهما، فهم يرون أن محاسبتهم باعتبارهم مواطنين مثل باقى المواطنين المصريين أمام القانون، هو عدم احترام لوضعهم المالى والسياسى، أو فى الحقيقة يجب أن يكونوا محميين بوضعهم المالى والسياسى. تأمل مثلاً ما قاله هشام طلعت مصطفى فى تحقيقات النيابة، لتتأكد أن هذا المعنى فى أذهانهم، فالرجل لم يتعامل مع أنه متهم بجريمة قتل، ولكنه يريد أن يبتزنا وينقلنا إلى أرضية أخرى، يريد أن يوصل لنا رسالة ابتزاز، فقد قال إن القضية أثرت على نشاطه فى السوق العقارية والبورصة وسوق المال، وإن هناك من دبر له هذه القضية.
وهذا معناه أنها مجرد فخ وقع فيه من قبل رجل أعمال آخر أو من قبل مسئول سياسى أو تنفيذى كبير، ليست هذه الرسالة فقط، ولكن الرسالة الثانية هى أن أسهم شركاته قد هبطت وأن هذا سيكون له تأثير سيئ على البورصة وعلى اقتصاد البلد، وهنا لابد أن نسأل مباشرة: هل نحاسب رجل الأعمال عندما يرتكب جريمة أم لا؟ لن تجد إجابة شافية من هؤلاء الذين يتبنون هذا المنطق الفاسد، ولكن يمكن أن تستشعر من كلام رجل الأعمال محمود الشناوى، ليعذرنى فهو مجرد مثال، فقد قال أن محمد فريد خميس ليس فى حاجة إلى دفع رشوة، فنفوذه السياسى والاقتصادى كاف لإنجاز مصالحه فى أى وقت وبمكالمة هاتفية.
وهنا مربط الفرس، فهذه النوعية من رجال الأعمال يعتبرون أنفسهم فوق القانون، بمالهم ونفوذهم السياسى، بالتداخل الفاسد بين المال والسلطة، وبالتالى فهم لا يتصورون أنهم أمام القانون مثل أى مواطن لا يملك مالا أو نفوذا، وبالتالى يعتبرون محاسبتهم على جريمة قتل أو رشوة أو غيرها هو مؤامرة ليس عليهم ولكن على البلد كلها، فهم البلد نفسها.
ربما يكون هذا الاستنتاج معروفا، ولكن هناك ما هو أخطر، وهو الكذبة الكبرى التى روجتها السلطة الحاكمة وروجها بعض رجال الأعمال، وهى أن تطبيق القانون والشفافية هى التى تدمر رجال الأعمال وتدمر الاقتصاد. ولكن الحقيقة هى العكس، فلا يمكن أن ينهض اقتصاد ويحدث نمو فى أى بلد فى ظل وجود فساد ومحسوبيات واختراق للقانون.. لماذا؟
لأن القاعدة الأساسية لأى نظام رأسمالى هى المنافسة الحرة، ولا يمكن أن تكون هناك منافسة حرة دون شفافية ودون أن يكون كل المتنافسين سواسية أمام القانون، ومن ثم تصبح المنافسة للأفضل والأكفأ وليس للأكثر فسادا، وليس لصاحب النفوذ السياسى، وليس لمن يستطع أن يقضى مصالحه بمكالمة تليفون، لأنه فى هذه الحالة سوف يطرد من السوق الكفاءات، لأنها لا تملك النفوذ المالى والسياسى الفاسد.
إسرائيل تحاسب أولمرت رئيس وزرائها فى اتهامات بالفساد ولم تنهار إسرائيل، وإيطاليا حاسبت بيرل سكونى رئيس وزرائها من قبل ولم تنهار إيطاليا، بل فى الحقيقة هذا يقوى، فهذه دول وليست عزبا وأبعاديات. الحماية الحقيقية للرأسمالية ولرجال الأعمال الشرفاء هى دولة الحرية ودولة القانون.
(ملحوظة: كامل الاحترام لمحمد فريد خميس وهشام طلعت مصطفى، فهما متهمين، والمتهم برئ حتى تثبت إدانته).
تصريحات محمود الشناوى على هذا اللينك..
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=38774
موضوعات متعلقة:
◄الـ"دى.إن.أيه": دماء سوزان تميم على ملابس السكرى
◄سؤال كبير عن هشام طلعت مصطفى!!
◄السلطة والمال.. من يسيطر على الآخر؟!
◄مصر 2008.. علاج الشورى برماد هشام طلعت
◄سعيد شعيب يكتب: فطام هشام طلعت مصطفى
◄سوزان تميم .. من صفحات الفن إلى الحوادث
◄حتى البسطاء تأثروا بقضية طلعت مصطفى
◄مصائب طلعت .. عند بيبو مصائب
◄قانونيون: طلعت مصطفى ينتظر الإعدام أو المؤبد
◄كيف تحول ضابط أمن دولة إلى قاتل متوحش ؟
◄طلعت مصطفى..دراما الواقع أقوى من واقع الدراما
◄سوزان تميم من صفحات الفن إلى الحوادث
◄قصص عراقية فى حياة سوزان تميم ووفاتها
◄قرار النائب العام يتسبب فى مأزق لعمرو أديب
◄طارق يخلف هشام فى مجموعة طلعت مصطفى
◄مؤشر البورصة يهبط 2.3% عند الإغلاق
◄هشام مصطفى .. قلق فى الشورى والإخوان حذرون
◄هشام طلعت وسوزان تميم
◄النائب العام يقرر حبس هشام طلعت مصطفى
◄هشام طلعت: وضع شركتنا المالى فوق الشبهات
◄طلعت مصطفى يطالب بقانون لتجريم الشائعات
◄هشام طلعت مصطفى لم يهرب ويعود إلى مصر الأحد
◄برلمانى يطالب بتطبيق "الحرابة" على السكرى
◄5 سيناريوهات ناجحة لقتل سوزان تميم والفاعل مجهول!!
◄"السكرى" أكبر دليل على خيبة جهاز أمن الدولة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة