النوايا الطيبة وحدها لا تكفى لتقديم وعى صحيح للناس. أفهم جيداً أن الكثير من الكتاب الذين يتناولون "الشأن الشيعى"، يفعلون هذا انطلاقاً من حسن النية وإيمانهم بحرية الاعتقاد، ولكن هذا وحده لا يكفى.
فعندما يقع الكاتب بوعى أو من دون وعى فى فخ استخدام بعض المصطلحات الخبيثة يكون قد وضع رأيه الذى سيدلى به فى خانة الحكم السلبى المسبق حتى ولو لم يكن يسعى لخدمة هذا الهدف من الأساس.
الآن ازدحمت الساحة الإعلامية ببعض المصطلحات المفخخة مثل: المارد الشيعى والتبشير الشيعى والخطر الشيعى إلخ إلخ!! ذات يوم هاتفنى أحد الصحفيين الشبان سائلاً عن رأيى فيما يطرح عن "الخطر الشيعى"؟! قلت له: لا أدرى ما هو الخطر الشيعى؟! هل هو شىء يشبه أنفلونزا الطيور مثلاً أو فيروس س الذى دمر كبد آلاف المصريين؟! هل تقصد أن الشيعة لو حكموا مصر سيفتحون مزيداً من السجون المملوءة أصلاً بعشرات الآلاف من المعتقلين أم ماذا؟!
ماذا لو تحدثنا عن (الخطر السنى) هل سيجرى اعتباره سؤالاً مهذباً ويجرى الرد عليه بهدوء أعصاب، كما نفعل نحن عندما نضطر للإجابة على هذا النوع من الأسئلة السخيفة الخالية من كل أنواع اللياقة والتهذيب؟!
نحن نعرف الخطر الصهيونى لأننا تجرعنا من سمومه الكؤوس تلو الكؤوس وما زال هذا الخطر يجثم على أنفاسنا ويهدد المسجد الأقصى بالدمار بسبب الحفريات المتواصلة التى تجرى تحته وتنذر بانهياره وتحويله إلى ركام، خاصة وأن أحد الصهاينة قام بإحراق هذا المكان المقدس منذ فترة ليست طويلة من الزمان. كما أننا نعرف الخطر الذى يمثله إرهاب القاعدة وأخواتها الذين عاثوا فى الأرض فساداً وما زالوا يتحينون الفرصة لقتل وتفجير كل ما يمكنهم تفجيره من البشر والحجر.
فهلا أخبرنا القوم عن هذا الخطر الشيعى الذى تحول بقدرة قادر إلى محرك أساسى لسياسات بعض الدول وهاجساً يدفعها لضخ المليارات فى سوق النخاسة الدولى لتسمين الانتحاريين قبل ذبحهم والتخلص منهم فى عمليات يسمونها استشهادية ما كانت لتجرى لولا الدعم المالى والاستخبارى والسياسى الهائل الذى تقدمه هذه الدول لتلك الجماعات الانتحارية.
الأمر نفسه ينطبق على مصطلح التبشير الشيعى، خاصة وأن مصطلح التبشير هو مصطلح ذو دلالة حصرية تطلقه بعض الكنائس المسيحية على فصائلها الساعية لتحويل الناس إلى المسيحية أو إلى فصيل معين من المسيحية يتحرك على الساحة العالمية من خلال أناس يسمون أنفسهم بالمبشرين، ما هو وجه الشبه بين النقاش الشيعى السنى الذى ينطلق من أرضية إسلامية واحدة تشترك فيما بينها فى أغلب المبادئ والأسس حتى ولو اختلفت حول تفسير بعض الآيات والأحاديث والتبشير المسيحى؟!
العرب والبحث عن أصدقاء
العالم العربى مبتلى بالاحتلال الصهيونى الاستيطانى لفلسطين وهو احتلال لم يكتف بابتلاع فلسطين وطرد أغلب أهلها بل يرغب فى بسط هيمنته على مجمل المنطقة لتكون كلمته هى العليا فى كافة شئونها الاقتصادية والسياسية بل والثقافية ومن دون هذه الهيمنة يصبح وجوده معرضاً للخطر والزوال. تلك هى الحقيقة التى يعرفها الساسة العرب ومن يحطبون فى حبالهم من رجال الثقافة والإعلام.
الأمر لا يتعلق بخطر محتمل بل بهجوم متواصل منذ ما يقارب قرناً من الزمان. وسواء قبل العرب بمبدأ التسوية السلمية أو قرروا العودة إلى مبدأ المواجهة مع هذا العدو الجاثم على قلوبهم، فهم بحاجة إلى توسيع دائرة الأصدقاء وتضييق دائرة الخصوم والأعداء.
جرب العرب محاولة الوصول إلى تسوية نهائية، وهم فى حالة ضعف فلم يفلحوا لأن عدوهم الصهيونى هو الأقوى وهو القادر على فرض شروطه عليهم.
وبينما يمتد النفوذ الصهيونى إلى جورجيا السوفييتية السابقة الواقعة فى القوقاز لأسباب متعددة منها الاقتصادى والسياسى والاستخبارى والعسكرى، نرى العرب يعلنون الحرب على حلفائهم الطبيعيين وتحديداً على إيران. ألم تكن حرب الأعوام الثمانية التى شنها النظام العراقى السابق حرباً عربية بامتياز؟!
فى أعقاب حوار تليفزيونى عن الخطر الإيرانى، سألت أحد المشاركين فى الحوار: هل ينوى العرب شن حرب جديدة على إيران؟! فضحك الرجل ساخراً وقال: ومن من العرب يقدر على ذلك؟! قلت له: لو كان الخطر الإيرانى الذى تتحدثون عنه بهذه الطريقة خطراً حقيقياً وليس مجرد دعاية إعلامية فلتعلنوا الحرب لننتهى من هذه الضجة الفارغة أو فلتتفاوضوا مع إيران وليغلق هذا الملف.
لا هم قادرون على الحرب ولا هم راغبون فى إقامة علاقات طبيعية مع بلد يشكل عمقاً استراتيجياً ودعماً لهم ليتفرغوا للتخلص من ورطتهم الكبرى مع إسرائيل ثم ليفعلوا بعد ذلك ما يحلو لهم. ألم يتحالف العرب مع الاتحاد السوفييتى الشيوعى ومع الهند الهندوسية؟!
الواقع يقول إن العرب يبحثون عن أعداء ولو لم يجدوا هذا العدو لاخترعوه ليقنعوا شعوبهم أنهم أصحاب السيادة والريادة وأنهم حريصون على مصالح هذه الشعوب وأنهم يدافعون عن عقيدتها، ولو كان هذا فى مواجهة أخوة العقيدة والدين. الخلاف المذهبى لا سبيل لمناقشته إلا عبر الحوار الرصين الهادئ وليس عبر التخوين والتشاتم وترويج الأكاذيب والخرافات عن الخطر الشيعى والمارد الشيعى والتبشير الشيعى.
كما أننا لا نرى مبرراً لربط أى حوار بين المذهب بالملفات السياسية الداخلية أو الخارجية، لأننا لن نعيد اختراع مفهوم الدولة حيث تنص كل الدساتير على احترام حرية العقيدة وحقوق المواطنة، ومن ثم فلا مجال لإعادة طرح أسئلة، فرغ فيها القول مثل مبدأ الولاء والمواطنة وحق المشاركة السياسية للجميع فضلاً عن سيادة القانون.
وبينما تسعى شعوب العالم المتحضر للحفاظ على مصالحها وتوسيع دائرة الحقوق والحريات، ما زلنا نطرح أسئلة يخجل المرء عندما يضطر للإجابة عليها فى حين لا تستحى آلة الإعلام العربى الجاهل، من إعادة طرحها فى الصباح والمساء.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة