د.فوزى حتحوت

ذاكرة من الخوف

الخميس، 15 يناير 2009 11:30 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أطفال ورضع فى البيت يصرخون تحضنهم أمهاتهم لا يعلمون لهم مصير، يخيم عليهم الليل فيزداد صراخهم ونحيبهم، ورجال ينصرفون لمواجهة العمليات العسكرية، وشيوخ ومرضى لا يملكون إلا التضرع إلى الله، أعجزهم السن والمرض عن القتال والدفاع عن الأرض، وأصوات دوى المدافع تهز الجدران، وأزيز الطائرات تشق سمعهم، ولا حول لهم ولا قوة إلا الدعاء لله والتماسك والصبر، وينادون على أمة غير موجودة إلا فى أحلامهم وأمنياتهم، أمة يهددها خوفها ويكتف خطواتها، ويعرقل قوة مسيرتها، أمة (سواء إسلامية أو عربية) تكاد الاعتياد على الهزائم فى هذا العصر الحاضر، لا تذكر لها فيه نصرا، مرورًا بفلسطين إلى لبنان إلى أفغانستان إلى العراق، وتهتك فى العديد من دولها بدءًا بالصومال انتقالاً إلى السودان، ومرورًا بباكستان.

أمة يكاد أن تنشأ لها ذاكرة من الخوف والاعتياد عليه والتسليم به، أمة قررت أن تسلم مقدراتها إلى غيرها، لأن قادتها غير قادرين على أن يتفاهموا مع بعضهم البعض، بالرغم من وحدة الأصل واللغة والمعتقد، أمة لا تعرف إلا أن تتراشق مع بعضها البعض بالقول والصياح، أمة تركت عدوها يتقدم وتفرغت للتلاسن والخلاف مع أشقائها وأعضائها. أمة ليست على استعداد أن تتوحد من أجل صالحها.

وعدو لا يبالى بقرارات مجلس الأمن، أو غيره، يبدو كأنه ملك زمام الأمر، أمام عجز المجتمع الإسلامى والعربى ومجتمع دولى لن يحمل بقوة قضية الشرق الأوسط بدلاً من أبنائه إلا فى سياق مصالحه، وتظل الشعوب الإسلامية والعربية تتلفت باحثة عن قائد يحمل ملف القضية بديلاً عن قادتها، وإن كان من غير أبناء جلدتها.

فها هو "هوجو شافيز" يطل علينا من أمريكا اللاتينية بطرد السفير الإسرائيلى احتجاجًا على العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، ويعلن فى بيان له صادر عن وزارة الخارجية الفنزويلية، "يعرب شعب فنزويلا عن تضامنه المطلق مع الشعب الفلسطينى البطل...ويقدم يده لهم قائلاً إن حكومة فنزويلا لن تهدأ حتى ترى العقاب الأليم ينزل على هؤلاء المسئولين عن هذه الجرائم الفظيعة".

ولم يكن من المستغرب أن نجد فى بعض المظاهرات التى خرجت تأييدًا لغزة من يرفع صورة شافيز، وكأنه ينادى عليه قائلاً "وشافيزاه" مستعيدًا من ذاكرة التاريخ مجد أمة عندما كان ينادى بعزة وبقوة "وإسلاماه" و"معتصماه"، فكان ملبيًا وناصرًا، فالشعوب لا تحيا إلا على الأمل فى من يستطيع أن يحقق لها أحلامها وأمانيها، وتظل الأنظمة العربية والإسلامية تناور وتراوغ، لعل العملية العسكرية تنتهى فى أقرب وقت فتستعيد لنفسها الهدوء، بغض النظر عن النتائج وضحايا العملية العسكرية الإسرائيلية، ولعل ما يسهم فى استعادتها للهدوء تصديرها _من ضمن ما تصدره-وجود الانقسام الفلسطينى الفلسطينى بين حماس وفتح، بالرغم من إدراك هذه الأنظمة سياسات العدو دومًا التى منها سياسات التفرقة والتقطيع بين أفراد الشعب المحتل، حتى يكتب للمحتل الاستمرار والسيطرة.

وإلى أن يتحقق حلم الشعوب فى الأمتين العربية والإسلامية، ستظل الشعوب تبحث عن الزعيم والقائد القادر على أن يحمل بأمانة أحلامها وأمالها فى غد أكثر إشراقًا ورخاءً، قائد قادر أن يوازن الأمور ويحمل نظرة ثاقبة لتحقيق العزة والكرامة والرخاء المالى والإقتصادى للشعوب التى أرهقت أنظمتها ذاكرة من الخوف والاعتياد عليه، أنظمة تدعى دائما امتلاكها القدرة على تسيير السفينة إلى بر الأمان.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة