هانحن نفقد ركناً آخر من أركان الرحبانية، ففى الأسبوع الماضى رحل منصور الرحبانى، كما رحل قبله فى الثمانينيات أخوه عاصى، ولم يبق من هذا الصرح المثلث الأركان إلا فيروز التى تقف شامخة حتى الآن أطال الله فى عمرها.
والمشهور أن الأدوار كانت موزعة على الرحبانية الثلاثة، منصور يؤلف الكلمات، وعاصى يلحنها، وفيروز تغنيها. هناك استقلال كامل أو حدود فاصلة بين تأليف الكلمات وتلحينها وأدائها، وهذا ما قاله لى منصور رحبانى نفسه فى لقاء جمعنا، قال لى إن شقيقه عاصى كان يشاركه أحياناً فى تأليف الكلمات، وإنه هو منصور: كان يشارك شقيقه فى التلحين، وأنا شخصياً أعتقد أن فيروز لم تكن تكتفى بالغناء، فمن المؤكد أنها كانت ترتاح لكلمة ولا ترتاح لكلمة أخرى، وأنها كانت تحب أن ترتجل فى مقطع من الأغنية، وبهذا تشارك فى التأليف والتلحين، وهكذا نجد أن الأغنية الرحبانية أغنية رحبانية بالفعل، أى إبداع جماعى. وهذه سمة أساسية من السمات التى تميزها عن غيرها.
وفى الوقت الذى ظهرت فيه الرحبانية وهو أواخر الأربعينيات، كانت الأدوار محدودة، وكان الطابع الفردى سائداً فى التأليف والتلحين والغناء، وكان العمل الجماعى يقتصر على الأغنية الشعبية التى يؤلفها الجميع ويلحنها ويغنيها الجميع. ويبدو أن الرحبانية بدأوا بالاستفادة من الأغنية الشعبية فى كل شىء، فىاستلهام الكلمات والألحان الشعبية، وحين ننظر فى الأغنيات الأولى التى قدمها الرحبانية فىالخمسينيات نجد أن تأثير الفولكلور اللبنانى واضح فيها.
مثلاً أغنية «يا قمر ع دارتنا» يمكن اعتبارها فلوكلورية، ليس فقط بكلماتها المأخوذة من صميم الفولكلور اللبنانى، لكن أيضاً بإيقاعاتها وجملها اللحنية البسيطة التى يستطيع الجميع أن يؤديها، وهذه الأغنية من أغانى فيروز التى لم تفقد بريقها حتى الآن. ولقد كان ظهور الرحبانية الثلاثة إشارة بمولد مدرسة جديدة فى الغناء العربى، مدرسة تعتمد على المجموعة لا على الأفراد، على الدراسة لا على مجرد الموهبة أو الهواية، على البحث والاقتباس من الفولكلور اللبنانى والموسيقى الغربية لا علىالمحافظة والتقليد، وإذا كان عبدالوهاب قد بدأ هذا الطريق فقد أكمله الرحبانية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة