ماذا تبقى من الرحبانية

بعد رحيل منصور الرحبانى ورحيل شقيقه عاصى من قبل، ماذا تبقى من الرحبانية؟
الإجابة طبعا: فيروز!
ولكن السؤال ليس فقط عن أشخاص الرحبانية، وإنما عن فن الرحبانية، ماذا تبقى من هذه المدرسة؟ وهل يمكن أن يكون للأغنية الرحبانية مستقبل؟

لقد بدأ الرحبانية، طريقهم فى أوائل الخمسينيات من القرن الماضى بتقديم أغان خفيفة مقتبسة فى الغالب من ألحان التانجو الغربية، التى سادت أوروبا فى العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضى، وانتقلت إلينا بعد ذلك بسنوات عن طريق عبدالوهاب، الذى قدم عدة أغنيات على إيقاع التانجو، منها مثلا «سهرت منه الليالى»، ومدحت عاصم فى اللحن الذى غناه فريد الأطرش «كرهت حبك»، وفريد الأطرش فى قصيده «يا زهرة فى خيالى»
لكن الرحبانية كانت لهم إضافات مميزة. منها أن كلمات أغانيهم كانت فى الغالب فصيحة.

وارتباط التانجو بالكلمات الفصيحة ساعد الأذن العربية على تقبل هذه الألحان، التى استطاعت أن تدخل فى الموسيقى العربية.

كما أن الرحبانية استفادوا من بعض عناصر التأليف الموسيقى الغربى، خصوصا عنصر التتابع أى تعدد الأصوات التى تسمع معا، وعنصر التداخل والتنويعات، وقد طوروا هذه العناصر بنجاح فى المرحلة الثانية فى مسيرتهم الفنية.

فى هذه المرحلة تميزت ألحانهم بالاعتماد على الألحان والإيقاعات الشعبية اللبنانية، التى تبلورت بها شخصياتهم وفرضوا وجودهم على المستوى العربى، الذى كان مقصورا على المطربين والملحنين المصريين.

لقد استطاعوا أن يوجدوا صيغة «رحبانية» خاصة فى الاستفادة من الآلات الغربية، التى استعملوها بكثرة عن طريق التأكيد على الإيقاعات الشعبية، وأيضا عن طريق إسناد الأنغام التى تحتوى على ثلاثة أرباع الصوت إلى الآلات الوترية، وبالذات آلة البزق. كما اهتموا اهتماما خاصا بالمجموعة أو الكورال.

والسؤال الآن: ماذا بقى من هذه المدرسة أو هذه الصيغة؟
هل نستطيع مثلا أن نعتبر زياد الرحبانى ابن عاصى الرحبانى وفيروز امتدادا لهذه المدرسة؟
ممكن، وهذا واضح فى الألحان التى غنتها فيروز لابنها، واستفاد فيها من عناصر مختلفة، أولها ألحان الرحبانية بالإضافة إلى تراث الموسيقى العربية التقليدية، والتراث الشعبى اللبنانى، والأغنية السياسية وبالذات ألحان الشيخ إمام، وموسيقى الجاز، التى أوحت إليه بتأليف فرقة للجاز الشرقى، كما غنت له فيروز ألحانا على موسيقى الجاز، وألحانا أخرى من تأليف الرحبانية على إيقاعات الجاز.