ما يحدث فى غزة الفلسطينية من حرب وحشية على المدنيين تحت بصر وسمع العالم كله، وصمة عار لن تصم فقط مجرمى الحرب الإسرائيليين، ولكن ستصم كل القوى التى كانت تستطيع منع المجازر ضد الفلسطينيين ولم تفعل. وأتذكر هنا الشعار الذى رفعه اليهود بعد محرقة النازى فى وجه الأوربيين ليحصلوا منهم على تعويضات نظير ما تعرضوا له: "لا تقولوا لم نشارك فى المحرقة فقد كنتم موجودين ولم تفعلوا شيئا لمنعها".
العالم كله موجود وشاهد بالصوت والصورة على المجازر الإسرائيلية فى حق المدنيين، المجازر مسجلة موثقة فى عصر السماوات المفتوحة، ولاتبرير لأحد على هذا الكوكب.
لا تبرير لموردى السلاح لجيش الدفاع.
لا تبرير لداعمى إسرائيل فى الكونجرس.
لا تبرير للأوربيين الذين يديرون مفاوضات عبثية عما يسمى بوقف إطلاق النار من الجانبين.
لا تبرير لمن يشارك فى شراء المنتجات الإسرائيلية أو ضخ الدماء فى شرايينها الاقتصادية.
لا تبرير للقتلة ولا تبرير للشهود، فقد كانوا حاضرين ولم يمنعوا المجازر.
فى المقابل لا تبرير للذين ابتذلوا الكلمات فى مظاهرات الصراخ والعويل وجلد الذات.
لا تبرير للكتاب الذين استشعروا النقص فى أنفسهم فحاولوا إبراء ذممهم برفع التون بدلا من توظيف سلاح الكلمة فى هذه المعركة الفلسطينية العربية الإنسانية العادلة.
الكلمة سلاح أقوى من الـF16 وأقوى من القنابل الفسفورية المحرمة، وأقوى من الميركافا، وحامل الكلمة لابد أن يعلم أنه يواجه بكلماته عناصر لواء جولانى، وقاذفى القنابل العنقودية.
حامل الكلمة هو من يعلم أن بقاء العدو فى خانة العدو مرهون بكلماته.
هو من يعلم أن تغيير السياسات الداعمة للقتلة مرهون بكلماته.
هو من يعلم أن جلد الذات والعويل ومحاولات تبرئة النفس بإعلان العجز ماهى إلا تغطية المنسحبين لانسحابهم من ميدان لا ينفع الانسحاب منه بميلودرامية ثم العودة من الباب الخلفى لكوميديا الفارس والتهريج والاستظراف، كما لا ينفع معه الإعلان المجانى عن الاكتئاب.
حامل الكلمة هو حارس الضمير العام والذاكرة الشعبية، ومعرفة ذلك والإيمان به إيمانا صادقا أول ما يجب أن يسأل كل كاتب نفسه بشأنه. حامل الكلمة لابد أن يعرف أن الاحتلال لا استقرار له فى بلد مهما طال إلا إذا احتل عقول الكتاب والمبدعين فى هذا البلد، إلا إذا استولى على ذاكرة هذا البلد وفنونه وآدابه، قد يحتل الأرض والسماء والماء والحجر، لكن الروح التى يحرسها حاملو الكلمة هى مفتاحه للبقاء. لا أريد أن أتقمص دور الحكيم، وما كلماتى إلا محاولة لتذكير نفسى بما يجب على أن أفعله إزاء الوحشية الإسرائيلية، فى البدء كانت الكلمة وفى المنتهى ستكون.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة