إبراهيم أحمد عرفات

مجزرة غزة.. رؤية أخرى

الثلاثاء، 06 يناير 2009 11:10 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"الوضع فى قطاع غزة أصبح عائقا أمام إقامة الدولة الفلسطينية، .. كفى يعنى كفى والوضع سيتغير".. تلك كانت كلمات وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبى ليفنى خلال مؤتمر صحفى عقد يوم 25 ديسمبر 2008 خلال زيارتها للقاهرة. هذا التصريح ربما حمل بين طياته مدخلاً مهماً لفهم أسباب تلك الهجمة العسكرية البربرية على غزة، وفى هذا التوقيت تحديداً.

فعندما تحدثت ليفنى عن "الوضع القائم"، لم تكن تتحدث فقط عن صواريخ المقاومة الفلسطينية ـ التى لا تغنى ولا تسمن من جوع ـ بل كانت تتحدث عن واقع قائم على الأرض، فرض نفسه على أجندة الإدارة الأمريكية الجديدة فى عهد أوباما، وزادت معها التوقعات بإمكانية فتح قنوات دبلوماسية بين واشنطن وكل من إيران وحماس وسوريا، بكل ما يعنيه ذلك من تأكيد معادلات القوة القائمة، التى لا تصب فى مجلمها (على المدى البعيد) فى مصلحة إسرائيل.

وهو ما بدت ملامحه فى الأجندة الأمريكية الجديدة لإدارة السلام ـ إذا جاز التعبير ـ على المسار الفلسطينى، والتى كشفت عنها صحيفة التايمز البريطانية يوم 16 نوفمبر 2008، نقلاً عن مصادر وثيقة بالرئيس الأمريكى المنتخب باراك أوباما، تفيد بأن الإدارة الجديدة ستتبع خطة سلام تشمل الاعتراف بإسرائيل من جانب العالم العربى مقابل انسحابها إلى حدود ما قبل عام 1967، أى تقوم على المبادرة السعودية فى عام 2002، التى تتحفظ عليها تل أبيب.

إذن.. ماذا يحدث؟
إنها عملية عسكرية شديدة الحساسية تهدف منها تل أبيب إلى إعادة هيكلة الواقع فى المنطقة، بالشكل الذى يفرض على أمريكا عدم الخروج عن الرؤية الإسرائيلية لإدارة القضية الفلسطينية.

هذه النتيجة ربما يختلف معى حولها الكثير، من منطلق أن أمريكا لن تتخلى عن إسرائيل ولا أمن إسرائيل.. ولكن هذا الرأى مردود عليه بخسائر الولايات المتحدة على كافة المستويات بسبب المستنقع العراقى، والحرب على الإرهاب، التى أفضت فى النهاية ـ وفق العديد من التحليلات ـ إلى الأزمة المالية العالمية الراهنة.. حيث خرجت العديد من التقديرات التى تشير إلى أن تكلفة الحرب الأمريكية فى العراق تتراوح فى تكلفتها سنوياً ما بين 100 على 144 مليار دولار سنوياً، بما يعنى أن التكلفة الإجمالية المتوقعة تتراوح بين 500 و720 مليار دولار حتى مارس 2009. فضلاً عن أن الاستمرار فى استراتيجية الجمهوريين تجاه الدول المارقة ـ بحسب الوصف الأمريكى لإيران وسوريا وكوريا الشمالية ـ أظهر عدم قدرة واشنطن على تغيير سياسات هذه الدول، بعد أن أنهكتها الحرب على الإرهاب، وتزايد الضغوط الداخلية بشأن تردى الأوضاع الاقتصادية.

هذا.. مع الإقرار الكامل بأن أوباما وإدارته الديمقراطية لن تقوم بـ (ثورة) فى موقف أمريكا من العملية السلمية، والاتجاه نحو الصف العربى، ولكن على الأقل ستضغط باتجاه عدم التخلى عن المفاوضات، مثلما فعلت إدارة كلينتون فى فترته الأولى والثانية، والتى حققت ـ رغم أنف أصحاب الأصوات العالية والشعارات الرنانة ـ بعض المكاسب الفلسطينية على الأرض. من هنا، يمكن قراءة مجزرة غزة من هذا المنظور الاستراتيجي، الذى يدعمه عامل الزمن، والتحركات العسكرية الإسرائيلية على مسرح العمليات.. كيف؟

إن الفارق الزمنى بين العملية العسكرية (29 ديسمبر 2008) وتنصيب أوباما رئيساً للولايات المتحدة (20 يناير 2009) يعد فرصة سانحة لتنفيذ المخطط الإسرائيلى، استناداً إلى أن الإدارة الحالية بقيادة بوش الابن، لن يفرض عليها أى ضغوط دولية، من منطلق أنها تنهى مهامها، وبدأت فعلياً فى تسليم ملفاتها.. كما أن الإدارة الجديدة لن تجد أمامها سوى الإقرار بالأمر الواقع بعد استلامها المهمة خلال أيام المقبلة، وذلك عبر الدفع باتجاه وقف إطلاق النار أولاً، وستجد نفسها مطالبة بالخضوع لشروط تل أبيب، التى يتوقع أن تتضمن إعادة الاستقرار والأوضاع السلمية إلى غزة، من خلال استئناف العملية السياسية هناك، بكل ما يعنيه ذلك من عودة حركة فتح إلى القطاع عبر الدبابات الإسرائيلية ـ وهو المصطلح المتوقع استخدامه سياسياً وشعبياً ـ مما يزيد من تكريس حدة الانقسام الفلسطينى ـ الفلسطينى، وزيادة الضغوط على السلطة الفلسطينية، التى ستخفض سقف مطالبها فى المفاوضات المتوقع استئنافها، بالقدر الذى يزيد من المكاسب على الجانب الآخر.

إن الإسرائيليين الذين قبلوا الوضع فى غزة ـ رغماً عنهم ـ ما يزيد عن عام ونصف، لم ينتبهوا إلى أصحاب الأقلام الرنانة والعبارات النارية، التى ضخمت من بالون القوة لدى حماس، وأسهموا فى تغييب الشعوب بعد أن قالوا إن القوة وحدها ستعيد الحق الفلسطينى والعربى، وتناسوا تماماً أن القوة والحرب ما هى إلا أحد أدوات السياسة.. بل عملوا على التفكير والتخطيط مرة أخرى لكيفية استعادة زمام الأمور، وخيوط اللعبة فى الشرق الأوسط، إن هذه المجزرة التى ما زال يتساقط منها من نحتسبهم عند الله شهداء، كشفت القوة الحقيقية لأصحاب الأصوات العالية والشعارات، سواء من رؤساء دول أو مسئولين أو حتى بعض القيادات الشعبية فى معظم الدول العربية..

نتمنى أن تفيق الشعوب من غيبوبتها التى ساهم فيها المنادون بالمقاومة ـ غير المنظمة ـ وإزالة دولة إسرائيل، وأصحاب الرؤى والعبارات التى تلهب المشاعر، وتلهب كرامتنا أيضاً بسوط العجز والضعف.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة