هذا رجل ماسخ وبلا طعم، يشبه إلى حد كبير مدرسى التربية الزراعية فى مدارس الأرياف، يجتهد فى طأطأة رأسه أمام ناظر المدرسة، ويفشل فى تبييض وجهه وتجميل المدرسة بالزهور، إذا حضر ضيوف من الخارج، ربما كانت تلك أكبر أمانى الوزير «أبو الغيط»، حينما كانوا يسألونه فى البيت: تحب تطلع إيه ياحبيبى لما تكبر؟.
لم يكن سيادة الوزير يدرك وقتها أن الرئيس مبارك سيأتى ليقلب حال مصر، بحيث يصبح للفاشلين ومنزوعى الكفاءة حقيبة وزارية هدية، إذا فازوا فى سحب الولاء وانطبقت عليهم شروط.. أوامرك يافندم، وطبقا لتعليمات سيادتك ياريس، ومن حظ سيادته وبختنا، أنه جاء مطابقا للمواصفات، وحمّلوه فى عنقه أسفار وزارة الخارجية، فحملت مصر فى رقبتها أوزار أفعاله، وفوق رأسها طين تصرفاته، وحملنا نحن فى قلوبنا همّ سذاجة تصريحاته، خاصة فى أزمة غزة الأخيرة.
دعك من تلك الصورة التى احتضن فيها يد «تسيبى ليفنى» وزيرة الخارجية الإسرائيلية، لأنه قد يبدو معذورا إما بالقوانين الدبلوماسية أو جمال المرأة، التى استدركته لفخ الصورة وحميميتها، فذهب إلى الفخ مطمئنا راضيا، وكأن على رأسه نجمة داوود، ودعك من أن تصريحاته مائعة، لأنها أصلا غير مفهومة، واترك صوره وهو يتحدث عن ضحايا غزة مبتسما فى ركن، ولا تحزن حينما تشاهد أى مسئول فى كوالالمبور يبكى بحرقة، وهم يسألونه عن أوضاع غزة، لأن ذلك ربما يكون فارقا فى توقيت الإحساس.دعك من كل هذا وركز مع أداء الوزير وطريقة تعامله مع الأزمة، ركز معه حينما يقف أمام الصحفيين مثل التلميذ الذى لا يعرف إجابة، ركز معه حينما يحاول أن يتأثر ويبتكر إجابات، فتأتى كلماته مثيرة للشفقة عليه وعلى مصر كلها.
الوزير أبو الغيط كلامه كله نكت، أى والله ويكفيك أن تقرأ بهدوء تصريحه حول الاجتياح البرى لغزة، حينما قال وعروقه تنتفض من أسفل جلده وكأن الشجاعة هبطت على رأسه من السماء: «لابد أن تدرك إسرائيل أن المزيد من العدوان يعنى المزيد من الضحايا»، أرأيتم ها قد سقطت التفاحة على رأس أبو الغيط، واكتشف نظرية جديدة، ليس بعيدا أن تتكفل الوزارة بطبعها على نفقتها الخاصة للأجيال القادمة، أو تتخذها القنوات العالمية كفاصل إعلانى، تكتب أسفله تبرعوا لمصر بوزير خارجية.. كفاكم الله شر الفضائح.السيد الوزير أبو الغيط، لم يكفه موقف مصر «المهبب بنيلة» تجاه الاجتياح الصهيونى لقطاع غزة، فقرر أن يكحلها حتى يصيبها العمى تماما، صحيح الرجل معذور لأنهم جاءوا به ليقول ما يكتبونه فى الغرف المغلقة، وصحيح أن الرجل وجد الدولة تضرب بالدف، فقرر أن يضرب هو على طبلة، ولكننا لا يمكن أن نعذر أبدا فشله المهنى، الذى دفعه للهجوم على حماس وأهل غزة، بدلا من أن يبكى على أشلاء أطفالها، ولا يمكن أن نغفر له عدم احترام الملايين - ونحن منهم - الذين انتظروا شهامة رجل فى وقت أزمة، حتى ولو على سبيل المجاملة.. فلم تأت.
خرابات التاريخ موجودة وبكثرة، وكلما سيسألونها هل امتلأت فستسأل هى عن المزيد ياسيد أبو الغيط، أما دموع العشرات من أهالى الضحايا، وكفوف الملايين من الذين أوجعتهم مشاهد المجزرة الإسرائيلية فى غزة، فهى لن ترحمك أبدا من خبيث دعائها، أنت والسيد الناظر، وجميع أعضاء هيئة التدريس، بمن فيهم المتعاقدون بالحصة.