خالد صلاح

يعنى إيه هدنة ويعنى إيه وقف إطلاق النار؟!

الخميس، 08 يناير 2009 11:25 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إسرائيل تحب هذه الكلمات لأنها تحسم بهما معركتها الإعلامية بسهولة، فحين تتبنى حماس كلمة الهدنة فإن هذا يعنى ببساطة أن حماس تعترف بأننا أمام جيشين متحاربين يتراشقان بالسلاح فى معركة شريفة وفى ندية عسكرية مطلقة، وليس أمام مجزرة يرتكبها جيش غاشم أحمق ودموى ضد المدنيين العزل فى قطاع غزة؟

هذه أسخف وأخطر وأوقح كلمات يمكن أن تسمعها فى مذبحة كتلك التى تجرى فى غزة الآن، وهذه الكلمات تمثل واحدة من أكبر الدلائل على السذاجة السياسية للعرب والفلسطينيين وحركة حماس وحركة فتح وكل هؤلاء الذين وافقوا على هذه المصطلحات التى صكتها إسرائيل واعتمدها الإعلام الغربى، ووقع فى فخها العرب جميعا فى هذه المذبحة أو فى غيرها من المذابح السابقة.

يعنى إيه (هدنة)؟ ويعنى إيه (وقف إطلاق النار)؟
إسرائيل تحب هذه الكلمات لأنها تحسم بهما معركتها الإعلامية بسهولة، فحين تتبنى حماس كلمة الهدنة فإن هذا يعنى ببساطة أن حماس تعترف بأننا أمام جيشين متحاربين يتراشقان بالسلاح فى معركة شريفة وفى ندية عسكرية مطلقة، وليس أمام مجزرة يرتكبها جيش غاشم أحمق ودموى ضد المدنيين العزل فى قطاع غزة؟

وحينما تقول إسرائيل أو يطرح الإعلام الغربى كلمة (وقف إطلاق النار) فمعنى ذلك أن حماس أيضا تطلق النار فى المواجهة بندية كاملة على جبهة عسكرية يلتقى فيها جيشان مدججان بالسلاح ويتصارعان على أهداف محددة، ومعناها أيضا أن حماس تعترف لنفسها بأنها تمتلك جيشا مسلحا يتبادل الحرب مع جيش العدو على الجانب الآخر من الجبهة، لكن الحقيقة أن حماس ليس لديها جيش وليس لديها سلاح ولا يمكن وضعها فى خانة واحدة مع جيش نظامى سفاح مثل الجيش الإسرائيلى، وبالتالى فإن الفلسطينيين بسقوطهم فى هذا الفخ يبرئون إسرائيل أمام الإعلام الغربى، وأمام المنظمات الدولية، ويضعون أنفسهم فى خانة لا تحتملها قوتهم العسكرية، ولا قدراتهم فى المقاومة، ويطيحون بأهم نقاط القوة لدى غزة وهى فى كونها أرضا واسعة يسكنها المدنيون فيما تقصفها نيران العسكر البربرية من البر والبحر والسماء.

ليس لدى سوى تفسير واحد لهذا الحمق العربى فى قبول هاتين الكلمتين الخبيثتين (الهدنة)، و(وقف إطلاق النار) عند توصيف الحالة الفلسطينية الراهنة، التفسير الوحيد هو (الغرور إلى حد البلاهة فى صياغة استراتيجيات المقاومة والكفاح المسلح فى العالم العربى)، إننا مغرورون إلى الحد الذى نسعد فيه بهذه الكلمات، ونطرب فرحا لأن العدو يعترف لنا بأننا أيضا قوى لها حساب، فى حين أن العدو ينصب لنا هذا الفخ لنتهاوى فى أعماقه بلا دية وبلا مواجهة، العدو يعرف أننا مغرورون، وأننا نحب أن نظهر أمام كاميرات العالم، وأمام الجماهير الغاضبة فى المدن العربية لنزعم أن لدينا القدرة على المواجهة، وأن العدو يعترف لنا بهذه القوة، ويعاملنا بندية مطالبا (الهدنة)، أو باحثا عن (وقف إطلاق النار)، لكنها خيبة سياسية طاحنة، وفشل فى إدراك معانى ودلالات هذه المصطلحات فى صراع بين مدنيين تحت الاحتلال وجيش أخرق يستخدم سلاحه لسفك الدماء الحرام على أرض طاهرة.

تبنى هذا النوع من المصطلحات يطيح بالأساس الراسخ والعادل والمنطقى للقضية الفلسطينية فينقلها قسرا من خانة العدوان الاستعمارى الإسرائيلى على أرض لا يملكها وضد شعب يناضل من أجل حريته واستقلاله، وينقلها زورا وبهتانا و(جهلا أيضا) إلى خانة (القتال بين جيوش متصارعة على أرض محل نزاع)!، كأنه قتال بين رواندا وبوروندى على المناطق الحدودية، أو كأنها معارك بين جيشى الهند وباكستان فى صراعات النفوذ فى آسيا الوسطى، وليس احتلالا مميتا لشعب ينبض بالحياة، وليس طغيانا استعماريا ضد حفنة من المدنيين.

إنه الجهل السياسى والإعلامى والاستراتيجى الذى يجعلنا نتخلى عن أهم عناصر القوة والبريق فى هذا الصراع، فنصاب بغرور الندية المزيفة ونسقط فى فخ العدو ونوافقه على مصطلحاته الخبيثة، إذا قال هدنة، رددنا وراءه فى بلاهة المصطلح نفسه، وإذا تحدث عن وقف إطلاق النار، وافقناه على هذا السم فى العسل بالجهل والكبرياء فى غير محله.

إننى أتحسر أسفا على هذه الجريمة فى استخدام هذين المصطلحين من قبل المقاومة فى فلسطين المحتلة ، ومن قبل حركة حماس على وجه التحديد، وأتحسر أيضا على استمرار حالة اللاوعى بطبيعة الصراع وطبيعة نقاط القوة والضعف التى نملكها نحن فى مواجهة عدونا الأكثر مكرا وغدرا ودهاء، أنت تلاحظ مثلا أن الإسرائيليين يسحقون أطفال غزة بكل هذه القسوة فى نفس الوقت الذى يظهر فيه المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية متحدثا لكاميرات العالم أمام حديقة صغيرة فى مدخل وزارة الخارجية وينطق بصوت خافت وضعيف ليشكو إلى أمم الأرض من (إرهاب) حركة حماس ومن الخوف الذى يسيطر على منازل العائلات الإسرائيلية فى سدروت وعسقلان، وفى مقابل هذا المشهد المصنوع والمزيف يحل الدور على السذاجة المقيتة حين يظهر قادة المقاومة بأصوات جهورية ووراءهم عناصر ملثمة تحمل الكلاشينكوف لتهدد إسرائيل بالموت والقتل والخوف والانتقام، وكأنها رسالة إعلامية صنعت خصيصا للإضرار بنا وخدمة الأهداف السياسية والإعلامية الإسرائيلية.

إسرائيل تعرف أننا نشعر بالانتصار الفارغ على هذا النحو، الانتصار بالكلمات والخطب والمصطلحات البراقة وهتافات الجماهير فى الشوارع، هذا هو انتصارنا وخبزنا وكفافنا، أما العدو فيتقدم على الأرض، ويسحق أطفالنا غدرا فيما طياروه يعدون لتناول البسكويت والشيكولاتة فى القواعد العسكرية.

هل هناك عبث أكبر من ذلك، وهل هناك خيبة فى حياتنا أسوأ من تلك؟
نحن نقاوم بلا وعى، وبلا أهداف استراتيجية، وبلا أجندة إعلامية، وبلا خطة عمل، وحتى من دون رغبة فى الانتصار، نقاوم وكأن المقاومة تعنى أن يسحقنا العدو فقط الآن وإلى الأبد، فى حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاوم ببناء الخنادق حول المدينة لحمايتها، وبعقد المصالحات مع يهود المدينة ليرتب أولويات المواجهة، ويضع خاتمه الشريف على صلح مكة المهين ليضاعف من استعداداته، وكان صلى الله عليه وسلم يضع استراتيجية لمواجهة المنافقين فى المدينة خلال فترات القتال حتى يتفرغ للمقاومة، أما نحن الآن فنتصارع فيما بيننا داخل ميدان المعركة، ونزرع الفتن الداخلية فيما أجساد الأطفال يسحقها القصف الغاشم، ونقول عن وقف المذبحة (هدنة)، وعن وضع حد لنهاية القصف (وقف إطلاق النار).

يا إلهى.. كم نحن حمقى، وكم ينتصر عدونا بما يعرفه عنا من الجهل.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة