د. بليغ حمدى

كان فى مرة واحدة منتقبة!

الخميس، 15 أكتوبر 2009 07:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من المدهش أن تتفرغ المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر لمناقشة ومعالجة بعض المظاهر الاجتماعية ذات الصبغة الدينية مثل نقاب المعلمات والطالبات. والدهشة لا تأتى من فراغ المؤسسة الدينية التى كانت لابد وأن تعمل وتفكر بعقلية المؤسسات التى لا تسعى سوى للنجاح، وهذا لا يتحقق إلا بالعمل الدءوب المخطط والمنظم الذى يتسم بالتقويم الشامل والأداء النشط، بل تأتى من تواجد المؤسسة الدينية فى ساحة نزاع وجدل هى فى غنى عنها، كما أنها أقحمت نفسها فى مخاض التأويلات والتفسيرات التى تصب جميعها فى مصلحة أعداء الأزهر الشريف.

فبمجرد ذيوع التصريحات الخاصة بمنع ارتداء النقاب للمعلمات والطالبات فى المعاهد الدينية بادر الجميع وأسرع المجتمع بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية برفع شعار لا لارتداء النقاب فى العمل والمصنع والمستشفى، بحجة أنه يعيق التواصل الفعال، وراح كل وزير مختص ومدير مسئول بالإعلان عن نفسه بأنه أصدر بيانا بعدم ارتداء النقاب منذ عام مضى، وآخر منذ سبعة أشهر، وثالث أذاع بياناً بمنعه منذ أسبوعين.

وهكذا استطاع الأزهر الشريف وهو منارة التعليم الدينى فى العالم كله، والرمز الخالد للحضارة الإسلامية فى أزهى عصورها أن يسهم بدور غير مقصود فى لغط العامة، وشغل الرأى العام بقضية لا أظنها رئيسية تمس عصب المجتمع المصرى، ولا هى قضية ضياع الأخلاق وذبح الفضيلة وانهيار القيم الدينية.

نجحت المؤسسة الدينية أن تصرف نظر المجتمع عن قضاياه المهمة والهامشية بدءاً من أكياس الدم الفاسدة، والقمح الروسى المتسرطن الذى صار كيفاً عند المصريين، والغاز المصدر إلى دولة إسرائيل، وهزيمة فاروق حسنى فى انتخابات اليونسكو، توقع عدم وصول منتخب مصر لنهائيات كأس العالم المقبلة رغم ملايين الجنيهات التى أنفقت على لاعبيه، مروراً بقضية مقتل المطربة المغمورة سوزان تميم، وتوشكى الوليد بن طلال، انتهاءً بالتعليم الذى بات مؤجلاً ومفيرساً.

والأغرب أنك لو أجريت استطلاعاً لرأى الشارع المصرى المهموم بطبيعته عن رأيه فى هذه التصريحات الخاصة بمنع ارتداء النقاب بالنسبة للمعلمات والطالبات لسوف تجد هجوماً شرساً على تلك التصريحات، وأن منع ارتداء النقاب للمعلمات والطالبات فى أمكنة العلم وتلقى المعرفة الرسمية التى تعتبر مناطق مقدسة رفيعة لهو مدعاة للفجور والسفور وقتل العفة وضياع الشرف.

ومما يزيد الأمر غرابة أن معظم هؤلاء لا توجد لهم زوجة منتقبة، أو أخت أو ابنة منتقبة، لكننا اعتدنا فى وطننا الغالى مصر أن نوحد مشاعرنا ونصفف اتجاهاتنا وميولنا كما نصفف شعر الرأس.

وليست القضية أننا مع أو ضد، لكن القضية أننا أصبحنا فى هوس البحث عن أى شىء وأية ظاهرة وأى تصريح، وأى إعلان تليفزيونى، وأية مباراة رياضية، وأية صحيفة صفراء، وأى وأى كى نجمع قوانا وجهدنا فى الالتفاف حوله، لا نفكر فى العائد، ولا نفكر فى حجم وقيمة النتيجة، المهم أننا لا ولن نفكر.

ولأن أساطين القنوات الفضائية والفراغية هم الذين حملوا عنا عبء التفكير والتفسير والتأويل راحوا وجالوا وصالوا بنا فى متاهات ودهاليز وأنفاق فقهية دون سند، دارت بين فريضة النقاب وفضيلته، وبين كونه سنة تارة، وكونه عادة اجتماعية تارةً أخرى، وبين النقاب من حيث إنه تصدير خليجى، وأصبحت جدتى وأمى وزوجتى وأختى وابنتى وسط كل هذا فى حيرة من أمرهن.

وهكذا نجحت المؤسسة الدينية بامتياز أن تجعلنا ندق مسماراً جديداً فى نعش حضارتنا ونهضتنا بإصدارها تصريحات وأوامر بمنع ارتداء النقاب للمعلمات والطالبات، وهرعت الجامعات المصرية العريقة التى خرجت من سباق تصنيف الجامعات العالمية ذات الجودة الحقيقية تعلن عن هذا المنع.

ولى حق السؤال: هل منع النقاب داخل المعاهد الدينية سيجعل خريجيها وخريجاتها فى قوة وعلم ومتانة وحجة الشيخ الإمام محمد عبده؟ وهل فى منعه ارتقاء بمستوى أئمة ودعاة المستقبل؟ وهل فى منعه بالجامعات المصرية البعيدة عن التصنيف العالمى سننافس جامعات تل أبيب؟ وهل لو أصدرنا بعد قليل ـ وهذا وارد ـ بياناً آخر نعلن فيه رجوعنا عن قرار المنع هل سيعود الإرهاب والمتطرفون والتكفيريون من جديد؟
إلى أن تجاب عن أسئلتى السابقة سأهتم بمعرفة آخر أخبار قضية سوزان تميم، وألبوم تامر حسنى القادم، ونتائج الأسبوع الثامن من عمر الدورى المحلى، وأنتظر بشغف إعلان فيلم شعبولا الجديد.

*دكتوراه الفلسفة فى التربية












مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة