تصور أن شخصاً أو أشخاصاً ظلوا طوال ستة أشهر يحذروك من السير فى الطريق أو السفر بالقطار، وقالوا لك إن الطريق الذى تسير فيه ملىء بالحيوانات المفترسة وقطاع الطرق والقتلة. وبعد التحذيرات طلبوا منك أن تطمئن ولا تشعر بالخوف، وأن تسافر فى نفس الطريق الذى حذروك منه طوال شهور.
هذا تقريبا ما جرى من الحكومة والجهات المعنية مع أنفلونزا الخنازير التى كان التخويف منها رهيبا، والتوقعات تفوق كل تصور. قالوا إن الوباء سوف يقتل 20% على الأقل من المواطنين، وإن الفيروس ينتشر بشكل رهيب واستخدموا لفظ "جائحة"، وهى كلمة تشبه أمنا الغولة أو أبو رجل مسلوخة، وتحدثوا كثيرا عن الرعب القادم وحذروا الناس من التعرض للفيروس، ومن خطورة الزحام والمشى فى الشوارع أو النوم فى المنازل أو الوجود فى ملتقى الفيروس، وطالبوهم بغسيل الأيدى ولبس الكمامات، والكشف عند أول شعور بالسخونة.
كل هذه الموسيقى التصويرية لكارثة قادمة، كانت كافية ليصاب الناس بالهلع والرعب، مهدوا لإلغاء العمرة والحج والسفر والمدارس. وقالوا إن المرض ينتشر فى الزحام أكثر، لكنه ظهر فى الزمالك وليس فى الدويقة، وفى الميرديدى وليس فى كفرطهرمس. واستمرت البلاغات والبيانات العسكرية.
لكن الرعب بدأ يتراجع، وزير التعليم يطمئن الجميع، الأمور كلها تحت السيطرة، ونسوا أنهم هم الذين صنعوا الخوف، واستدعوا العفريت، ولم يصرفوه.
الناس لا تزال خائفة والقلق متوافر، خاصة وأن الحديث عن الاستعدادات، تشكك فيه أكوام الزبالة، والدعوة للنظافة، غير مترجمة من الحكومة. والأنفلونزا تحولت إلى سبوبة لتجار المطهرات، والدروس الخصوصية، والتعليم الخاص، والكمامات، وشركات الدواء، الكل يبيع ويشترى فى المواطن الذى لا يملك من أمر نفسه شيئاً. يتحدثون عن قنوات تعليمية هم الذين خربوها، وقنوات إقليمية هم الذين ألغوها. كل هذا الرعب ويقولون للناس: اطمئنوا.. وطمئنونا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة