هل هذا هو عصر الجمهوريات الملكية؟
فى انتهاك واضح للدساتير الوطنية التى أجمعت عليها الشعوب والأمم، واعتبرتها مقدسة لا تمس وعنواناً على اكتمال مقومات الدولة العصرية. تصدر المشهد السياسى فى أفريقيا ظاهرة توريث السلطة فى النظم الجمهورية. فأصبح على عمر بونجو رئيسا لجمهورية الجابون خلفا لوالده الرئيس الراحل عمر بونجو الأقدم بين حكام القارة الأفريقية، والذى أورث نجله تركة مثقلة بالفساد والفقر والتخلف.
وواصل فيروس التوريث انتشاره فى القارة الأفريقية، ففى نفس الأسبوع الذى توج فيه بونجو الابن على عرش الجابون "دستورها ينص على النظام الجمهورى"، تقرر تعيين سيف الإسلام معمر القذافى مشرفاً على الحكومة الليبية والبرلمان "لو كان هناك برلمان حقيقى"، ليصبح بذلك الرجل الثانى فى الجماهيرية الليبية التى تحولت من مفهوم الحكم الجماهيرى فى النظرية السياسية إلى واقع وممارسة ملكية رئاسية. ولم يعد الشباب الليبى المثقف يصدق الكلام المدهون بالعسل عن "حكم الشعب لنفسه واللجان الشعبية وتقاسم الثروة والسلطة".
حقاً التاريخ يعيد نفسه مع شىء من التغيير، فقد أصدرت كتابا فى عام 2002 بنفس العنوان "عصر الجمهوريات الملكية" عقب تنصيب الرئيس السورى بشار الأسد خلفاً لوالده الزعيم الراحل حافظ الأسد، وكتبت عن عائلات الحكم فى النظم الجمهورية فى الهند وبنجلاديش وباكستان وسيريلانكا والسودان. وتناولت أنواع الجمهوريات الملكية ومنها التأهيل الرئاسى والرئاسة الوراثية والرئاسة الملكية، وربطت بين جمهورية الضابط كرومويل الوحيدة فى التاريخ البريطانى وقيامه بتوريث الحكم لابنه ريتشارد، فأعاد البرلمان الملكية البرلمانية بكل تقاليدها العريقة، بديلا عن الجمهورية المزيفة. كما أشرت فى الكتاب إلى إعداد الهام علييف ليخلف والده الراحل حيدر علييف فى رئاسة أذربيجان، وحدث ما توقعته وتم تنصيب علييف الابن مكان والده فى الجمهورية السوفيتية السابقة.
وقد تفضل وقتها الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستورى بجامعة القاهرة بكتابة مقدمة للكتاب فى طبعته الثانية التى لم تخرج للنور حتى الآن لظروف خارجة عن إرادتى، فضلا عن انشغالى بقضايا أخرى أكثر وضوحا وعمقا من ظاهرة غريبة وطارئة انتهكت حرمة الدساتير الجمهورية وحولتها إلى جمهوريات ملكية. وقد دار نقاش بينى وبين المفكر السورى والشاعر اللامع أدونيس حول تلك القضية التى رآها "ظاهرة ناتجة من استكانة الشعوب وتسليم أمورها لحكامها مجانا بلا ضمانات". لقد كان السؤال الذى شغلنى وظل هاجسا يلاحقنى أثناء إعداد المادة العلمية لكتابى بمساعدة أساتذتى من فقهاء القانون إبراهيم الدسوقى أباظة وعاطف البنا والسفير وحيد رمضان "أين الشعوب من كل ما يجرى؟".
ولم أجد إجابة قاطعة حتى اللحظة الراهنة، ففضلت الاكتفاء بدور الراصد لما جرى من وقائع عملية جراحية لتغيير مفهوم الجمهوريات إلى نظم ملكية وعروش تختبئ تحت عباءة النسر المجنح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة