خالد صلاح

زهير جرانة يعرف أننا سنقرأ الفاتحة على روح صناعة السياحة فى مصر قريبا ومع ذلك يلتزم صمتاً رهيباً فى مواجهة وزير المالية يوسف بطرس غالى!!

وزراء ليسوا على قلب رجل واحد

الجمعة، 02 أكتوبر 2009 02:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كيف يمكن لحكومة أن تهدم بيدها اليسرى ما تبنيه بيدها اليمنى؟ كيف تسمح لنفسها بأن تقطف ثمراً قبل أن يدخل إلى مرحلة النضج؟ وكيف تبيح لنفسها أن يدفع جميع المواطنين والعمال والموظفين والمستثمرين فى مصر ثمن الأزمة العالمية وحدهم، ثم ترتب الحكومة أوراقها، وتجهز ملفاتها لتصبح هى (الرابح الوحيد) أمام المؤسسات الدولية المعنية بتصنيف الدول مالياً واقتصادياً؟.

هذه الأسئلة تتوافق تماما مع ما أقدم عليه مؤخراً وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالى بتحريك مصلحة الضرائب لمطالبة الفنادق والمنشآت السياحية المصرية بسداد الضريبة العقارية على الأبنية الفندقية فى مصر وفق القواعد القانونية الجديدة للضرائب العقارية، الأمر الذى يشكل ضربة قاصمة جديدة لصناعة السياحة، ويضاعف من الضغوط الهائلة التى تتعرض لها هذه الصناعة بعد أن سحقتها موجات الإرهاب المتلاحقة، ثم الأوضاع السياسية والعسكرية المتوترة فى المنطقة، ثم أخيراً أنفلونزا الخنازير التى أصابت السائحين بالرعب، وعرضت منشآتنا السياحية لخسائر فادحة.

العارفون بكواليس صناعة السياحة فى مصر يعرفون حجم المشكلات والأزمات التى تتعرض لها هذه الصناعة لسنوات ممتدة، رغم كونها أحد المصادر الأساسية للدخل القومى فى البلاد، والعارفون بكواليس هذه الصناعة يعرفون أيضاً كيف أخطأت الحكومات المتعاقبة فى التعامل مع الكوارث التى لحقت بهذه الصناعة، إلى الحد الذى اضطرت فيه فنادق كبرى وشركات عملاقة إلى تسريح عدد هائل من العمالة لخفض النفقات والنجاة من الإفلاس.

والآن تضاعف الحكومة أعباء هذه الصناعة مرة أخرى دون أن يطرف لها جفن، غير عابئة بما يمكن أن يحل على المنشآت السياحية من أزمات جراء الضرائب الجديدة، والآن أيضا لا تلتفت الحكومة إلى حاصل جمع كل الضرائب المفروضة على هذه المنشآت السياحية من أصناف متعددة من الضريبة تصل إلى حد الجباية دون النظر إلى مشكلات هذا القطاع أو معالجة الآثار السلبية التى يتحملها منفرداً دون رعاية أو دعم أو ترتيب للسياسات والأولويات بين وزراء الحكومة.

لا أعرف كيف يمكن لوزير السياحة زهير جرانة أن يلتزم الصمت تجاه هذا الاستنزاف لمورد أساسى من موارد الدخل القومى، ولقطاع حيوى بهذا المستوى من الإنتاج يقع مباشرة تحت مسئوليته الكاملة، أعرف أن عددا كبيرا من أصحاب المنشآت السياحية فاتح جرانة فى هذه الأزمات والمشكلات المتلاحقة، وأعلم أيضا أن وزير السياحة استمع مباشرة لنخبة من أصحاب الفنادق حول تأثير المشكلات الاقتصادية والسياسية والبيئية فى الداخل على هذه الصناعة وعلى أرباح الفنادق، غير أن هذه الأصوات انتهت إلى حيث لا أمل فى التغيير، وكأن الحكومة تعمل فى وديان مختلفة وفى أفلاك متقاطعة، كل فى فلك يسبح وحده وعلى هواه دون تنسيق مشترك أو تخطيط شامل، بينما المفترض أن يعمل الجميع على قلب رجل واحد لتحقيق المصلحة العامة للبلاد.

القضية هنا تتجاوز أصحاب الفنادق والمستثمرين فى القطاع السياحى وتقفز مباشرة إلى مخاطر أكبر، أهمها عائدات القطاع السياحى فى مصر، وأخطرها تأثير هذه النفقات الكبيرة على العاملين فى هذا القطاع المهم الذى سيتعرض بلا شك لخسائر أكبر حال تطبيق قانون الضرائب العقارية على الأبنية والمنشآت الفندقية.

وزير السياحة الذى يعلم الحقيقة جيداً، ويعرف حجم المخاطر التى يواجهها القطاع السياحى والفندقى، لا يحق له أن يتراخى أمام التيار العاصف من الجباية الذى يجتاح مجلس الوزراء، ولا يحق له أن يلتزم الصمت فى إطار توازنات المباريات السياسية الجارية داخل الحكومة، فواجبه يحتم عليه أن يعلن الحقيقة أمام رئيس الوزراء وأمام رئيس الجمهورية حماية لهذه الصناعة الاستراتيجية من الانهيار، فالحكومة تلهث وراء مكسب عاجل وزهيد، فيما تهدر على نفسها وعلى مصر مليارات الجنيهات تحت الضغوط الكثيفة التى تتعرض لها الاستثمارات السياحية فى البلاد.

كان الأولى هنا بمجلس الوزراء أن يعلن نفسه فى حالة انعقاد دائم لمناقشة تأثيرات أنفلونزا الخنازير على العمل الفندقى فى مصر، وعلى تدفق السائحين من كل بقعة فى الأرض على المدن السياحية المصرية، فالراجح أن تأثيرات الوباء ستهز الموسم السياحى بعنف، وإذا كان بعض وزراء الحكومة لا يخفون رغبتهم فى إلغاء موسم الحج (وهو فريضة إسلامية مقدسة) حماية للناس من أنفلونزا الخنازير، فإنه من المنطقى أن تصل دعوات الوقاية من الوباء فى أوروبا والعواصم العربية إلى حرمان مصر من مئات الآلاف من السائحين طوال الموسم الشتوى المقبل.

وبدلا من أن نفكر فى هذا المأزق الذى حل مباشرة فى أعقاب الأزمة المالية العالمية، انحرفت الحكومة إلى مسار آخر بالإعلان عن مطالبة أصحاب المنشآت الفندقية بالالتزام بالضريبة العقارية، لتتراكم ظلمات الأزمات العالمية والوبائية، مع ظلام الضرائب الفادحة فى مصر لتضرب السياحة فى مقتل، وتطعن العاملين فى هذا الميدان، وتضع اقتصاديات هذه الصناعة على حافة الهاوية.

إن كل منشأة سياحية أو مبنى فندقى قد يحق عليه ضرائب بالملايين حال خضوعه لنصوص قانون الضرائب العقارية الجديد، وهذا الإرهاق المالى لن يتحمله المستثمرون العاملون فى هذا القطاع بل سيضطرون حتما إلى خفض نفقات العمالة، أو التنازل عن مستويات الجودة، ليتمكنوا من سداد هذه الأموال جنباً إلى جنب مع الضرائب الأخرى المفروضة على أنشطتهم السياحية والفندقية، وإذا وصلنا لهذه النتيجة فلن تلوم الحكومة إلا نفسها، ولن يلوم رئيس الوزراء أحداً سوى أعضاء حكومته، وبدلا من الصمت على الأزمة حتى مستواها الأخير، وقبل أن تصل إلى حافة الانهيار فإن واجب وزير السياحة ووزير المالية وتحت رعاية رئيس الوزراء أن تنطلق من الآن الدعوة لدراسة تأثيرات هذه الضريبة على النشاط السياحى والفندقى، وأن يستمع رئيس الوزراء إلى العاملين بهذا القطاع وجهاً لوجه، لدراسة الحلول المقترحة قبل أن تندلع عاصفة الجباية لتقتلع السياحة المصرية والعاملين فى ميدانها وأرباحها العائدة للخزانة العامة من الجذور.

هل يحتاج وزير المالية إلى براهين على هذا الوضع المأساوى؟ وهل يحتاج وزير السياحة، الذى يعلم أكثر مما نعلم بالتأكيد، إلى أدلة أخرى على ضرورة التدخل الفورى لحماية هذه الاستثمارات الهائلة من أن تتكسر على صخرة الضرائب العقارية؟ أم أن الجميع قرر الانتظار حتى تصير المأساة حاضرة بيننا شحماً ولحماً، وأن تتحول السياحة المصرية إلى جثمان بلا روح نقرأ عليها الشهادتين، ونضع باقات الورد على شاهد الضريح، ونقرأ الفاتحة على روح أحد أهم موارد الدخل المصرى وأكثرها حساسية وأكثرها ظلما واضطهاداً وإهمالاً.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة