سواء كنت واحدا من الذين يزين شعار المصحف والسيفين سيارتهم أومنزلهم أو حتى أجندتهم الخاصة، أو كنت من هؤلاء الرافضين لشعار "الإسلام هو الحل" الذى تضعه الجماعة دستورا.. سواء كنت من هؤلاء الذين يتفقون مع الجماعة أو يختلفون معها..
أنت مضطر لأن تعترف أن جماعة الإخوان المسلمين لم ولن تكون "محظورة" حتى ولو كتبت الحكومة هذه الكلمة فى كتب المدرسة وامتحنت فيها التلاميذ وجعلت نتيجة الامتحان فيها مضافة للمجموع، مثل مادة الرسم تماما، أنت مضطر للاستماع لصوت العقل والمنطق الذى يقول إن هذه الجماعة بكل أخطائها ومميزاتها هى آخر تيار سياسى منظم فى هذا البلد يقف على ضفة النظام الحاكم الذى تعبنا من سلطته وتسلطه.
ولكن مثلما أنت مضطر لهذا الاعتراف حتى وإن خالف عقيدتك الفكرية، فإن جماعة الإخوان المسلمين هى الأخرى مضطرة للاعتراف بأن هناك مشكلة غير اعتيادية تواجه جماعة حسن البنا، لا أن تتقمص روح الحكومة ويظهر قياداتها ليأكدوا للصحف أن كل شىء تمام.. كل شىء كويس.. كل شىء زى الفل.
على أحدهم أن يخرج ليتحدث بلسان مكتب الإرشاد ليخبر الرأى العام بحقيقة "الحلل" التى نسمع صوت "خربطتها" داخل الجماعة. على أحدهم أن يخرج ليقدم لنا نموذجا راقيا فى احترام الرأى العام ويشرح ويخبرنا بوضع مهدى عاكف ومصير الدكتور عصام العريان، وما الذى يحدث فى الطريق إلى كرسى مكتب الإرشاد، وإلا سيصبح من حقنا نحن كصحفيين وكمراقبين للأجواء السياسية العامة أن نشطح بخيالنا إلى ماهو أبعد .. والأحداث التى عاشتها جماعة الإخوان المسلمين وتحديدا مكتب إرشادها الذى اعتدنا طوال تاريخه أن دبة النملة بداخله لا تخرج، وأن خلافاته محلولة قبل أن تبدأ نظرا للنظام الصارم الذى يقود كل شىء داخل الجماعة، فإذا بنا فى الأيام الأخيرة نشاهد ونسمع أحداث وتفاصيل تؤكد أن هناك مشكلة ما كبيرة داخل الجماعة التى يبدو أن فيروس مشاكل الحركات السياسية فى مصر قد انتقل إليها.
حاول أن تتذكر مرحلة الهرج والمرج التى بدأت داخل حركة كفاية قبل عامين من الآن، هل تذكرون التصريحات المتضاربة والأخبار التى هى عكس بعضها والشائعات التى تخرج للصحف حاملة اسم الحركة؟ ألا يذكركم ما يحدث داخل الإخوان الآن بهذا الأمر؟
أعلم جيدا أنه من رابع المستحيلات أن تنهار جماعة الإخوان كما انهارت حركة كفاية لأن جماعة الإخوان بنيانها التنظيمى بقدر ماهو رائع فهو أيضا غير قابل للتفكيك أو الانهيار حتى ولو تعرض لمئات الشروخ، ولكن كل الخوف أن تنشغل الجماعة بمشاكلها الداخلية وتعجز عن متابعة التواجد على الساحة السياسية فى المرحلة الحساسة القادمة من عمر البلد، وهو عجز لا يصب فى مصلحة الحركة السياسية المصرية حتى لو كنت تكره الإخوان مثل العمى، لأن ذلك يعنى أن ينفرد الحزب الوطنى تماما بالساحة دون أى مناوشات، والمرحلة القادمة .. مرحلة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إن انفرد بها الحزب الوطنى تماما دون أدنى مزاحمة ستكرس لمستقبل سياسى أسود على مصر، لأن الأمر وقتها لن يصبح مجرد انفراد لحزب واحد بالسلطة بل سيكون انفرادا لحزب واحد بكل شىء.
أعود للوضع الداخلى لجماعة الإخوان المسلمين فى الأسابيع الأخيرة وضرورة تجاوزه، لأنه من الغريب أن يصبح محمود عزت وحبيب ندين على صفحات الجرائد يكذبان تصريحات بعضهما بعدما كان الكلام على أنهما تيار واحد فى مواجهة ما يعرف بالتيار الإصلاحى الذى يمثله الدكتور العريان، الذى فيما يبدو لا يريده التيار المتشدد داخل الجماعة فى الصورة سواء كان ذلك فى طرفها أو فى منتصفها، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذى يعانى فى سجنه وحيدا دون أدنى مساندة إعلامية أو جماهيرية من جانب الجماعة التى يبدو أنها سلمت بوجود الرجل خلف القضبان أو أنها غفلت عنه تماما بسبب انشغال محركيها الرئيسيين عاكف وحبيب وعزت ومن هو معهم.
البعض من داخل الجماعة يؤكد أن الذى يحدث مجرد شو إعلامى هدفه التغطية على ترتيبات إخوانية سيعرفها الناس قريبا، والبعض ممن هاتفتهم تليفونيا من المقريبن من قيادات مكتب الإرشاد رفضوا التعليق بحجة أنهم لايعرفون شيئا.. ولأول مرة أصدقهم فى ذلك لأن بصوتهم كان هناك بعض الارتباك الذى يؤكد على وجود شىء ما يحدث داخل الجماعة المؤكد الوحيد فيه أنه ليس فى صالح الجماعة أبدا، خاصة وهى مقبلة على معارك السنة الانتخابية، وأيضا لأنه بدأ ينشر فى الشارع انطباعا عاما بأن جماعة الإخوان المسلمين مثلها مثل جماعة السلطة وجماعة المعارضة وجماعة الأحزاب لم تنجو من فخ صراعات السلطة، ولم تهرب من الخطأ الذى يقع فيه الجميع دائما حينما يظهرون على الشاشات ليؤكدوا على أن كل شىء زى الفل بينما أصوات العراك الصادرة من الداخل تقول العكس!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة