مصر بلد العجائب، الأهرامات، وأبو الهول، والمطبات الصناعية، والحكومة الإلكترونية.. التى يقال إنها أنفقت 347 مليون جنيه على حملاتها الإعلانية الترويجية فى عامين، حسبما أعلنت شركة أبحاث عاملة فى مصر تسمى "أبسوس". الشركة قالت إن وزارة المالية أنفقت 131 مليون جنيه، بينما تكلفت حملة التوعية بأنفلونزا الخنازير 65 مليونا من بين 109 مليونا جنيه أنفقتها وزارة الصحة..
ربما يرى البعض هذه المبالغ ضخمة أو مبالغ فيها، وسوف يهاجم البعض حكومتنا ويعتبرها تعمل بالمثل الشائع "عريان الفناطيس ويحب التقميز"، أو أقرع ونزهى، لكنى شخصيا أعتقد أن الرقم الذى نشرته المصرى اليوم منسوبا لشركة "أبسوس" هو أقل من نصف الرقم الفعلى الذى أنفقته الحكومة، ومن المعروف أن وزارات مختلفة أنفقت خلال شهر رمضان وحده ما يقرب من 50 مليونا، ضمن إعلانات مصلحتك أولا، وقطارك ثانيا، وجيوبك ثالثا، واغسل إيدك قبل الأنفلونزا وبعدها.. وحملات غامضة عن منتجات وإنجازات لم توجد فى مصر، وإنما توافرت فى عقل الحكومة ونيتها. على اعتبار أن الأعمال بالنيات، وطالما أنها نوت فتعتبر نفسها حققت ما انتوت عليه.
وهذه الحكومة لديها هواجس عقلية بأنها أكثر حكومات مصر والعالم والكون إنجازا، لكنها تعيسة الحظ فى التعبير عن نفسها والإعلان عن إنجازاتها، وهذا صحيح طبقا لنظرية "الوضوح الغامض للمخرج هتشكوك"، فهى أكثر الحكومات إنتاجا للعشوائيات فى تاريخ البلاد، كما أنها نجحت فى تكثير السحابة السوداء، بالطرق العلمية وبرعاية الزبالة، ويرجع لهذه الحكومة أنها نجحت فى إقامة صروح ضخمة من القمامة فى شوارع مصر لا فرق بين حى فقير وآخر غنى فأتاحت عدالة توزيع الزبالة على البلاد، كما أنها كانت سباقة فى إنكار الأزمة العالمية، ثم الاعتراف بأبوتها، وهزيمتها من دون أى مجهود.
وفى حكومة نظيف فقط تم الإعلان عن أكبر مشروع لبيع الهواء فيما يسمى الصكوك الشعبية، كنوع من الخصخصة الذاتية بطريقة "أربعة اتنين أربعة تلاتة تسعة تمنتاشر"، وهى الخطة التى يلعب بها مدرب فريق السلة فى مباريات كرة القدم.
ثم أن الحكومة الحالية نجحت بدرجة كبيرة فى استقدام وتطوير فيروس أنفلونزا الطيور، وقدمت له التسهيلات السياحية، بما جعله يحب مصر ويستوطن بها، ولا يغادرها بفضل جهود الترحيب التى قامت بها اللجنة العليا لمكافحة سرقة السيارات. وفى سبيلها لتشجيع فيروس أنفلونزا الخنازير حتى يستوطن ويندمج فى شقيقه الطيور. وقد تكلفت هذه العملية حملات إعلانية لتشجيع الفيروس على الاستيطان فقط بـ 65 مليون جنيه، وهو رقم تافه إذا قورن بحجم الإنجاز، ولن نتحدث عن حجم البطالة، والتضخم، وارتفاع الأسعار، والأمراض والعلاج.
كل هذا ولا أحد يريد الاعتراف بفوائد الحكومة وإنجازاتها المهولة، وكان لابد من وقفة، أو طلعة تخرج فيها الحكومة مكنوناتها، وتتحدث عن نفسها.
كان ولابد لها من خزعبلات إعلانية، تقوم بها شركات محترفة فى الترويج على طريقة عالم الإعلانات الدكتور طارق، الذى قاد الحملات الترويجية للحكومة "من دقنه وافتل له"، وبعد ذلك تستكثرون على الحكومة أن تنفق كم مليون ملطوش، حتى يحب المواطن بلده، بطريقة علمية معملية فذة. وحتى يعرف من لم يعرف، واللى ما يشترى يتفرج.