"وجهت نيابة شمال الجيزة الكلية لهبة غريب الصحفية المتدربة بجريدة الفجر تهمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة لأحمد شوبير، وذلك عن طريق تسجيل محادثات تليفونية بينهما بدون رضاه، والتهمة الثانية تسهيل إذاعة التسجيلات حيث قدمتها إلى مجهول قام بعرضها على شبكة الإنترنت".
هذا بالضبط هو الأزمة، وهذا بالضبط التعبير الأكثر دقة فى كل هذا الجدل الدائر "الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة"، وهذا بالضبط ما يجب فى تقديرى أن يستقر فى وجدان المجتمع، سواء كنت من مؤيدى شوبير أو مرتضى منصور .. فالأمر يتعدى من هو المخطئ ومن هو المصيب، فهى ليست مباراة بين الأهلى والزمالك.
التوصيف القانونى الذى استخدمته النيابة هو المستقر فى قانون ودستور بلدنا، ولذلك فالقضاء يهمه فى المقام الأول الحفاظ على صحة الإجراءات، ثم بعد ذلك ينظر فى المضمون.. والأمر هنا لا يعنى، كما يبدو لأول وهلة، أن المشرع يهتم بالشكل على حساب الجوهر، أو يعلى قيمة الشكل ويتجاهل الجريمة الأساسية.. ففلسفة التشريع هنا، كما أفهمها، هى الحفاظ على قدسية الحياة الخاصة، حتى يشعر كل مواطن بالأمان، وهذا حق بديهى من حقوق الإنسان التى يكفلها الدستور.والحالة الوحيدة التى يمكن فيها التدخل فى هذه الحياة الخاصة، لابد أن تكون عبر موافقة المؤسسات القضائية على أسس قانونية، أى لابد من موافقة ممثلى المجتمع والمسئولين عن حمايته، حتى لا يتحول المجتمع إلى غابة، كل فرد فيه مشغول بالتلصص على غيره بالباطل.
لذلك لست مع الزملاء الذين انشغلوا باتهام هبه غريب بـ "انتحال صفة صحفى"، فهذه تهمة فرعية ولا علاقة لها بالقضية الأصلية، ناهيك عن أن قانون نقابة الصحفيين ولائحة القيد متناقضان، فيرفضان قيد الصحفى إلا إذا مارس المهنة، وفى ذات الوقت يمنعان مزاولة المهنة إلا إذا كان الصحفى مقيدا فيها .. ناهيك عن مصيبة أن القيد يستند أولا على الحصول على عقد عمل، أى الخضوع لإرادة مُلاك الصحف ورؤساء تحريرها، وليس لممارسة المهنة.
إذن فالمرض الأساسى هو انتهاك الحياة الخاصة، وإذا كنت اليوم تسجل لفلان، ففى الغد سوف يسجل هو لك، ولابد أن نتصدى له بعد أن أصبح مزاجا عاما فى بلدنا، ويدفعنا دفعا إلى حرائق طائفية وحرائق شخصية، لا غالب فيها، فالكل مغلوب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة