دخلنا إلى صالة الجيم، أنا وأخى أحمد الذى يصغرنى بعامين، كانت هناك أجساد ضخمة متناثرة فى المكان، وكان هو جالسا فى الركن على شلتة مرتفعة.
- لو سمحت يا كابتن، عاوزين نتدرب.
وماله.. أساميكو إيه؟
كنا نحيفين جدا أنا وأخى، جلد على عظم بالمعنى الحرفى للكلمة، وكان مستحيلا أن تنبت عضلة واحدة بينهما، من أين تأتى أصلا؟!
قال لنا:
أنا اسمى الكابتن كمال.. ادخلوا غيروا هدومكو.. أنا شايف قدامى اتنين هيبقوا بطلين بعد 6 شهور.
دخلنا غرفة تغيير الملابس ونحن نضحك، وأسميناه من وقتها الكابتن كمال أجسام.
كان يعلق شنطة بلاستيك مليئة بالأدوية فوق رأسه، ولا يشارك فى التدريب إلا بإصدار التعليمات الشفوية.
حكى لنا أنه كان بطل مصر فى 89 وقال:
انتو فاكرين جسمى كان كده؟! خالص.. قوم هات الألبوم ده كده.
وأشار على رف قريب، أحضرت الألبوم ففرجنا فيه على صور قديمة كان جسده فيها أضخم مرتين، ووجهه أصغر، بدون شارب، بعد الصورة الأخيرة، قال:
قوم منك له كمل تدريبك، إيه.. هو أنا بتعامل مع أبطال من ورق؟!
ونحن خارجين خلع لنا الكاب الذى يرتديه على رأسه دائما، فبان جرح عريض وعميق، قال:
هو ده اللى قعدنى، أصل أنا فيه عربية مقطورة داست على دماغى، بس أنا عشان بطل وجامد لسه عايش.
أوصانا بنظام غذائى مكلف، فلم نتبعه، كما أن التمرين كان مرهقا، وطوال شهر كامل لم تظهر بوادر أى عضلات على جسدينا النحيفين، فتوقفنا عن الذهاب.
المتدربون القدامى الذين جرت العضلات فى أجسادهم قالوا لنا إن الكابتن كمال كان لديه ورم بالمخ تم استئصاله، وإن الصالة أصبحت عمله الوحيد.
بعد أسبوعين رن هاتف المنزل، كان هو، قال:
إنتو بطلتو تيجو ليه.. لو فى مشكلة مادية إحنا إخوات وأنا مش عايز فلوس خالص.
لكننا لم نذهب ونسيناه تماما، حتى رأيته بالأمس، سقط شعر رأسه، وصار نحيفا جدا، ومحنيا، وغارت عيناه، لكنه عرفنى على الفور، سلّم علىّ بحرارة، وسألنى:
بتشتغل إيه دلوقتى؟
قلت له: صحفى، فزعق فى وجهى:
صحفى إيه بس.. ده أنا كنت هخليك بطل كبير.. شايف جسمك بقى عامل إزاى.. طب انت فاكر أحمد الديب؟
هززت له رأسى دون أن أتذكر هذا الديب، فقال:
أهو كان بادئ معاك ودلوقتى معاه البرونزية.
هز كتفيه، وقال:
خسارة.
وانصرف.
(من كتابى كرسى قلاب.. يصدر قريبا)
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة