فى وقت الأزمات يهوى الرئيس مبارك الخروج للرأى العام بتصريح هنا أو حديث صحفى هناك، وسواء أكان فى التصريح أو فى الحوار لا ينسى الرئيس أبدا أن يلقى فى قلوب أبناء شعبه الكثير من الاطمئنان الذى يكون فى العادة كاذبا ومشبعا بالكثير من اللف والدوران، ولا ينتهى كلام الرئيس إلا بعد تأكيد صارم على أن أمن مصر خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو المساس به، والحقيقة أن كلام الرئيس المستمر عن ذلك الخط الأحمر يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مؤسسسة الحكم تعانى من حالة تشوش وعدم إدراك لمفهوم الخط الأحمر، أو على الأقل يبقى مفهوم الخط الأحمر لدى الشعب المصرى مختلف تماما عن المفهوم الذى يتحدث به الرئيس أو أحد ممن يلقون خطاباته ويمررون تصريحاته.
وحقيقة أنا لا أعرف مكان الخط الأحمر الذى يتحدث عنه الرئيس وتتفاخر بحمايته صحف الحكومة على صدر صفحاتها الأولى، ولم تأخذنى الجلالة ولم أهرول نحو مدرسى الجغرافيا لأسألهم عن مكانه، ولم أبحث فى الخرائط المصرية ولا العالمية، خاصة عندما أدركت أن المؤسسة الحاكمة نفسها وعلى رأسها الرئيس لا تعرف لذلك الخط مكان فهى تحركه وترفعه كل مرة حسب الأحداث وحسب طبيعة الكارثة، وأحيانا أشك فى وجود هذا الخط الأحمر أو أتعامل معه على أنه خط وهمى مثل خطوط الطول والعرض، فأمن مصر الذى يقسم الرئيس دائما أنه خط أحمر لا يمكن تجاوزه تدوسه الأقدام كل يوم وليله من الداخل والخارج، والمتابع للأحداث قد يدرك مدى البهدلة التى تعرض لها أمن مصر ومدى حالة الرعب التى يعيشها المواطنون، فمنذ عام 81 19 والجماعات الإرهابية تتجاوز هذا الخط الأحمر وتضطرب الأمور فى مصر ويروح ضحية تلك الحوادث الإرهابية المئات من المصريين والأجانب، ووقتها يظهر أحدهم ليقول إن الرئيس يقصد بأمن مصر أنه لا يمكن لدولة أجنبية أن تهدد مصر وتعتدى عليها، وأن هذا هو الخط الأحمر الذى يقسم به الرئيس، وفجأة تجد تهديدات من إسرائيل بضرب السد العالى ويعيش الناس فى حالة رعب وتنتشر التساؤلات بينهم "هو ممكن فعلا يضربوا السد العالى والبلد تغرق" فى شكل يعكس عدم الثقة بفكرة الأمن والخط الأحمر التى يتحدث عنها الرئيس، هذا بخلاف طلقات الرصاص الصهيونية التى تحصد جنودنا وأهالينا على الحدود، أضف إلى ذلك التهديدات المستمرة التى تتلخص فى تحكم دول حوض النيل فى حصة مصر من المياه.
الأمن المركزى الذى يحمى مصر وخطها الأحمر والمسئول عن أمن مواطنيها وسلامتهم هو بنفسه انتهك الخط الأحمر ومسحه بأستيكة عام 1986 فيما عرف وقتها بانتفاضة جنود الأمن المركزى، وما أحدثوه من حالة فوضى ورعب فى الشوارع عن طريق حرق السيارت وتدمير المحلات وإثارة الذعر فى الشوارع.
المنطق يقول إن أمن مصر وخطها الأحمر يتعلق بوحدة مواطنيها وتماسكهم، وفى عصر مبارك تجاوزنا كل الخطوط الحمراء لأمن مصر بفتنة طائفية نائمة مثل الرماد تحت النار تستيقظ لتصيب الناس بالذعر، مرورا بأحداث الكشح ومحرم بيك وأحداث الصعيد الأخيرة، أى أمن فى ذلك؟، وأى خط أحمر؟، وكل مواطن فى مصر ما عاد يأمن أن يصلى فى مسجده أو كنيسته وهو آمن من طعنة سكين، هو إذن أمن منتهك ولا خط أحمر له فكل من هب ودب يملك "أستيكة" لشطب هذا الخط وليس مجرد لمسه أو المساس به.
الحكومة نفسها انتهكت هذا الخط الأحمر آلاف المرات حينما تركت الفقر يسيطر على نصف سكان البلد حسب التقارير الدولية، وحينما جوعت هذا الشعب وملأت بشبابه الشوارع بسبب عجزها عن توفير فرص عمل، فهل يوجد بعد آلاف الشباب الذين يهربون للخارج على متن سفن غارقة وهم كافرون بالوطن خط أحمر يمكن تجاوزه؟، هل يوجد بعد فقدان الإحساس بهذا الوطن خط أحمر يمكن أن يتعداه أحد؟ هل فكر الرئيس أو من معه أنهم بأفعالهم كانوا أول من كشطوا الخط الأحمر بأستيكة؟ لا أعتقد، لأننى على يقين أنه لا أحد فى هذه الحكومة يعرف ما هو الخط الأحمر لأمن هذا الوطن ولا أين يقع، وإلا كانوا وفروا للناس عيش بلا طوابير ومياه بلا صرف صحى وحياة بلا جزم الأمن وشتائم ألسنتهم !!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة