يحكى أن داعية كبيرا ذهب إلى أحد البلاد واجتمع الناس حوله يستمعون منه الحكمة وفصل الخطاب واجتمع الجياع والحفاة والمظلومون يسمعون صوت الإسلام من الداعية المرموق فإذا بمحاضرة تستغرق الساعتين عن "غزوة الحديبية " وفى النهاية وقف الداعية ليتملق حكام البلاد وولاة الأمور ويزجى لهم المدح والثناء.
فى هذه المحاريب خسرالإسلام أكبر معاركه.
وكان من الواجب على هذا الداعية وأمثاله أن يحارب الظلم الاجتماعى والاستبداد السياسى، لا أن يعيش فى محراب نفسه.
لقد أصبح اليوم من يهادن الظلم ويسير فى ركب الملوك والرؤساء وتحمل أبدانهم وبطونهم عطايا القصور وهداياهم هم أهل المحاريب الطاهرة.
إن غالبية الأقطار فى العالم الإسلامى والتى تدين بالإسلام، لا تزال نظم الحكم فيها أسوأ ماعرف العالم، فما زالت الفرعونية المؤلهة، والملكية المستبدة كلتاهما تنشب مخالبها فى عنق الشعوب المستضعفة.
ويحدث كل هذا الظلم والاستبداد فى ظل وجود علماء الدين الذين نصبوا أنفسهم للدفاع عن الدين ولكنهم الآن يرجون للنظم الملكية وللجمهوريات الملكية والأمثلة أكثر من أن تحصى، فها هو واحد كان بالأمس القريب من دعاة التيار السلفى الجهادى وتجتمع له الحشود فى محاضراته ولقاءاته، يعود بعد زيارته لتونس ليكتب مقالاُ يقول فيه (إن هذا النظام لايضيق بالإسلام ذاته) ويشيد بالنظام التونسى وحاكمه.
النظام التونسى الذى يعتبر أن أهم إنجازاته- وذلك على لسان رئيسه على شاشة الجزيرة- (القضاء على الحركات الإسلامية) حتى السلمية منها وإن إنجازه الكبير هو (اختفاء الحجاب من البلاد) بل وتنزل المناشير لتمنع الحجاب فى المدارس والجامعات وتهاجم المحجبات فى الشوارع، وخلع الحجاب شرط لدخول الامتحان، وقد قام فعلا بعض مديرى المعاهد الثانوية بنزع الحجاب عنوة من فوق رؤوس التلميذات المحجبات تحت إشراف الوالى ورؤساء خلايا الحزب الحاكم، وتمت تصفية جامعة الزيتونة الإسلامية من الاتجاه الإسلامى لها، وأرغم الطالبات فيها على لبس المايوه البكينى، وأصبح العاملون للإسلام فى تونس بين مسجون ومشنوق ومطرود، وأخيراً تم ترشيح زين العابدين رئيساً للمرة الخامسة، هذه هى تونس وهذا هو الشيخ سلمان العودة واحد من زعماء التيار السلفى، والذى أفتى منذ عدة أيام بعدم جواز الدعاء على اليهود.
وإلى شيخ آخر من زعماء التيار السلفى فى مصر والذى زار ليبيا فى العام السابق ومعه مجموعة من العلماء بناء على دعوة من ابنة القذافى، ثم عاد يمتدح النظام الليبى ودوره فى خدمة الإسلام والمسلمين. النظام الليبى الذى ينكر رئيسه السنة، ناهيك عن ما يفعله فى الشعب الليبى المسلم، لدرجة أنه أمر بحرق سجناً كاملاً على نزلائه من الحركات الإسلامية، ومازال يحكم بأفكاره الخارجة عن الفطرة والعقل منذ عام 69 ، ويهدر أموال الشعب بين حفلاته وعائلته فى أوربا، وبين تمويل حركات معارضة فى بلادها لا تستفيد منها ليبيا شيئا، إضافة إلى التعويضات التى تدفع بلا طائل.
وإذا انتقلنا إلى بلاد الحجاز فكان من العجيب أن كبير محررى صحيفة الواشنطن بوست يصف عبد المحسن العبيكان- القاضى السعودى وعضو مجلس الشورى- بأنه عميل أمريكى! وذلك من خلال جهوده وعبر فتاواه المُضحكة التى روج فيها لإطاعة الحاكم العسكرى الأمريكى فى العراق، ولكن الأكثر سخرية هو وصلة الرقص التى قام بها الشيخ وعندما سئل عن ذلك أجاب بأن الصحابة كانوا يرقصون، ووالله إن الصحابة بريئون منك ومن أفعالك وأقوالك خاصة تجاه آل سعود ويكفى ما يفعلونه فى أموال المسلمين وقضاياهم .
أما مفتى مصر فهو لم يخجل أن يحتفل بعيد ميلاده الأخير داخل أندية الليونز، والمعروفة بعلاقتها المشبوهة بالمحافل الماسونية فى العالم، وكان من الأولى أن يحترم زى الأزهر الذى يرتديه.
وليس شيخ الأزهر عنا ببعيد فهو اعتبر أن مقابلة اليهود الذى يقتلون أولادا لنا فى غزة والضفة ولبنان أفضل بكثير من التصدى للظلم الاجتماعى والاستبداد السياسى الموجود فى بلادنا، كل هذا من أجل أن يظل على كرسى المشيخة.
هذا قليل من كثير من الأمثلة على من يتصدون للوقوف فى الجانب الخطأ، ونسى هؤلاء أن هناك يوماً للحساب ويومئذ تبيض وجوه وتسود وجوه.
إن العابثين بحقائق الإسلام الكبرى لهم مطامع لم تنته بعد.
إن الإسلام يحتاج إلى الهمم العالية والمشاعر الحية، فاحذروا الرجال الذين سقطت همتهم وبردت عاطفتهم وفرضوا موات أنفسهم على دين قام على حب الحق وبغض الباطل.