الاختبارات فقط ولا شىء غيرها هى التى تكشف الحقائق، وجماعة الإخوان المسلمين خاضت اختباراً صعبا كشف الكثير من النواقص التى كانت تخفيها الجماعة على مدار السنوات الماضية، مرة عن طريق: استعينوا على الخلاص من فضائحكم بالكتمان، وأخرى باستخدام روح الإخوة التى نسمع عنها ولم نعد نراها. ومخطئ من يظن أن الاختبار الصعب الذى تعيشه جماعة الإخوان المسلمين قد بدأ مع تصريحات مهدى عاكف الخاصة باستقالته، لأن الامتحان الحقيقى بدأ مع سجن خيرت الشاطر النائب الثانى للمرشد، ومجموعة القيادات الشابة الذين أودعتهم المحكمة العسكرية السجون فى قضية أقل ما يقال عنها إنها.. فشنك!!
أزمة الإخوان بدأت فى تلك اللحظة، ولم يفلح عجائز مكتب الإرشاد فى احتوائها، لأن العقل الذى كان يخطط ويدبر ويحتوى ويتحرك غاب فى سجون الدولة، وبدلاً من أن تتحرك القيادات الإخوانية لسد فراغ الرجل الأقوى والأخطر فى الجماعة، قالت كل ألسنة مكتب الإرشاد إن كل شىء تمام، وكل الأمور على ما يرام، والجماعة مليانة بخيرات الله من القيادات، وكأنهم ينفون عن الشاطر دوره، أو كأنهم يستكثرون الاعتراف بفضل الرجل فى وضع الجماعة على رأس قائمة التيارات السياسية فى مصر.
فعل الإخوان كما يفعل نظام الرئيس مبارك تماما، وسعوا بكل قوة «للطرمخة» على أزمة غياب القيادات، رغم أن المعلوم بالضرورة يقول إن المجموعة التى حرمتها المحاكم العسكرية من نور الحرية هى المختارة والمنتقاة والأكثر جهداً ونشاطاً وذكاء وقبولاً داخل الجماعة وخارجها، وفى الوقت الذى كان من المفترض أن يتحرك فيه محمود عزت الأمين العام، ومحمد حبيب نائب المرشد الأول، لتعويض غياب الشاطر ورفاقه فوجئ الجميع بالاثنين وقد تفرغا للبحث عن مساحات للسلطة داخل مكتب الإرشاد من خلال صراع ضار على تركة نائب المرشد السجين.
غياب الشاطر الرجل القوى الذى يحظى بقبول كل الأطراف والأطياف داخل الجماعة أثار طمع حبيب وعزت ودفعهما للتعاون معا فى البداية لتحجيم دور الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، حتى أن مكتب الإرشاد لم يغضب بشكل مناسب حينما تم اعتقال أبوالفتوح منذ فترة، فى إشارة واضحة على ما يحمله قدماء الجماعة تجاه جيل الشباب أو الإصلاحيين بقيادة أبوالفتوح وعصام العريان، وبالطبع لم ينجح الرجل الوقور مهدى عاكف فى أن يسيطر على الأمور وحيداً فى غياب الشاطر، واستغل قيادات المكتب تهور الرجل فى الكلام والتصريحات لفرض ما يشبه الحظر عليه، حتى ضاق واختنق وقرر أن يترك الجمل بما حمل، ليجد محمود عزت ومحمد حبيب نفسيهما على بعد خطوة من الكرسى الأول فى مكتب الإرشاد، فأخذت المعركة مساراً مختلفا، وتحول حلفاء التيار المحافظ إلى خصمين واضحين أربكا الجماعة بخططهما، حتى أن رجلاً مثل الدكتور عصام العريان اتخذ قراراً بالصيام عن الكلام.
أزمة حبيب وعزت الحقيقية ليست فقط فى هذا الضباب الذى نشراه فوق الجماعة، ولا فى أزمة الثقة التى زرعاها فى نفوس شباب الإخوان الذين تربوا على أن النظام وروح الإخوة هما سيدا الموقف القادران على حل أعتى المشاكل، ولا حتى فى أنهما لم ينجحا فى تجهيز الجماعة لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة كما فعل خيرت الشاطر منفرداً، ولكن أزمتهما تكمن فى أنهما وضعا الجماعة فى «خانة اليك».. وأهدوا للحزب الوطنى رأس الإخوان على طبق من فضة، لأن الرئيس مبارك لو حاول بنفسه أن يشوه صورة جماعة حسن البنا ويقول للناس إن قادتها غير قادرين على اتخاذ قرار أو احتواء أزمة لفشل، حتى لو جند صحف الأرض وفضائيات الجو.
قلبى مع كل إخوانى وهو يكتشف الخدعة الآن، وقلبى مع خيرت الشاطر المصدوم فى سجنه، ومبروك للقائمين على شئون هذه الدولة ثلاثون عاما أخرى من الانفراد بكل شىء.. حتى كلمة.. لا!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة