أعرف أن الكلام القادم سيكون ضد التيار الشعبى السائد، ومش هيعجبك، وهتقول علىّ قابض وفاسد واحتمال تشتم كمان.. ولكن سأقول ورزقى على الله!!
المشاعر الشعبية الغاضبة من كارثة قطار العياط لم تخرج من صدور الناس متأثرة فقط بمنظر الأشلاء والدماء المنثورة على قضبان السكة الحديد، بل خرجت مصحوبة بحالة من الغيظ بسبب حملة الإعلانات التى لاحقت كلا منا قبل النوم وبعده خلال شهر رمضان، تحت شعار "المصرى اللى على حق يقول للغلط لأ".. ليس فقط لأن الإعلانات تكلفت الملايين بينما نص الشعب جعان، ولكن لأن رسالة الإعلان كانت توحى بأن الوزارة قد تداركت كل أخطائها، ولم يعد ينقصها سوى حملة الوعظ هذه، لكى تكتمل منظومة نجاح السكك الحديدية فى مصر.
الأن اتضح أن المسئولين عن الإعلام والإعلان فى الوزارة تجاهلوا تماما أن يعلموا أهل الوزارة والعاملين بها الفرق بين الغلط والصح، بدليل أن الحادثة كان سببها عامل ترك كل شىء وذهب للحمام ويبدو أنه كان من النوع اللى بيطول شوية دون أن يوفر لنفسه بديل ايحميه ويقى الناس شر المفاجآت.
طبعا وبسرعة وبدون أى لف ودوران وزارة النقل والمواصلات التى يقود دفتها الوزير محمد منصور هى المسؤلة بشكل مباشر عما حدث هى التى وافقت على صرف الملايين على حملة إعلانية جاءت مبكرة عن وقتها، لأنه لا يصح أن أنصح الراكب قبل أن أنصح المسؤل عنه وعن سلامة وصوله أولا، أو على الأقل أعلمه كيف يصل بالناس إلى منازلهم آمنين مطمئنين، كان لابد أن يعى الوزير منصور وهو الرجل المحترم أن هذا الدرس الخصوصى الذى أنفق عليه الملايين لتوعية الركاب كان لابد أن يحصل عليه العاملون فى وزارته أولا ليقى نفسه شر الفخاخ الرسمية، وشر جهل الموظفين، وتهاون وإهمال العمال.
لم يفهم الوزير محمد منصور هذا الدرس من تاريخ الوزارة، فكان طبيعيا أن يحدث ما حدث، وأن يخرج الناس ليطالبوه بالاستقالة، وأن تقدم الدولة رأسه على طبق من ذهب للشارع المصرى ككبش فداء يلطف من الأجواء السياسية قبل مؤتمر الحزب الوطنى القادم، تسرع الشارع فى فرحته لرحيل الوزير محمد منصور، وتسرعت الدولة فى التضحية برجل يعلم المقربون من الأمور فى الدولة أنه أفضل من تولى المنصب، ويعلم المطلعون على شئون الحكم فى مصر أنه واحد من أكثر وزراء عصر البيزنس جهدا وعطاء، ويشهد ركاب القطارات أنفسهم أن حال السكك الحديدية اليوم ليس كما كان من 5 سنوات، لهذا فلا تفرحوا كثيرا لأن وزارة النقل والمواصلات ونحن معها خسرنا كثيرا بسبب رحيل محمد منصور فى وسط معمعة تنفيذ خططه وبرامجه التى شهد لها الخبراء بالجودة، وأنتم تعرفون أن الخطط والبرامج والأمال التى يضعها أى وزير فى مصر سترحل معه، ويأتى آخر قد لا يكون على المستوى نفسه وقد لا يفهم أى شىء ليشطب كل ماهو سابق بأستيكة ويبدأ من تحت الصفر، لذلك كان من الأولى أن تتم محاسبة محمد منصور بدلا من القضاء عليه، كان من الأولى أن يحصل منصور على قرصة ودن رسمية وشعبية، بدلا من أن نهدم مشروع وزير ناجح ومسؤل مشهود له بالكفاءة، كان من الأولى أن نعترف بأن ثقافة الإهمال والتهاون وعدم الإتقان أصبحت تسيطر على قطاع كبير من عمالنا وموظفينا، كلنا نعانى من طريقة الموظفين والعمال فى التعامل مع المواطنين، وكلنا نعانى من تجاهلهم لمصالح الناس، وكلنا يمر على مزلقانات السكك الحديدية ويشاهد لامبالاة القائمون عليها وإهمالهم لأمن الناس، كلنا نعلم أننا نعانى أزمة ضمير، ومع ذلك فضلنا التعامل مع كارثة العياط بالطريقة السهلة.. ذبح الوزير أو المسؤل، صحيح الوزير مسؤل عن وزارته وإدارة العمل فيها ومسؤل عن ضبط حالة العامل والموظف والمدير بداخلها، ولكنه لا هو ولا غيره سيكون فى يوم من الأيام مسؤل عن ضمير هذا الكمسرى الذى يكرمش له الزبون خمسة جنيهات فى جيبه حتى لا يدفع الغرامة، ولا عن ضمير عامل التحويلة الذى نشاهده كلما مررنا على تحويلة غرقان فى جلسة نميمة مع أصحابه أو فى جلسة نوم مع الملائكة وأطباق الأرز..
عموما من الواضح جدا أن استقالة محمد منصور من الوزارة كانت رغبة مشتركة بين الشعب والنظام الحاكم.. الأول الذى يتمنى أن يشبه الغرب ولو قليلا، والثانى الذى اعتاد أن يضحى بالأجنة حتى يعيش الأب الكبير !