د. بليغ حمدى

من أجلك أنت.. عايز أعيش!

السبت، 31 أكتوبر 2009 07:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتقدت منظمة الصحة العالمية الإجراءات الوقائية التى اتخذتها مصر بشأن مواجهة أنفلونزا الخنازير، وقالت إن تلك الإجراءات من شأنها أن تزيد من حالات الهلع والفزع والخوف لدى المصريين. وشكراً على النصيحة ولين الجانب والتعاطف من المنظمة، وطبعاً انتقاد منظمة الصحة العالمية لمصر جاء من منطلق التقارير والمعلومات التى تقدمها الوزارات المعنية لمواجهة الفيروس لتلك المنظمة، والمتمثلة فى فصول وقاعات العزل بالمدارس والجامعات، والعيادات الطبية، مع توافر الصابون الطبى ومطهر الديتول بكل مؤسسة.

لكن بالطبع لم نورد بالتقارير احتجاج وتذمر طلاب الامتياز بكليات الطب على توزيعهم مدارس التعليم العام والفنى، ولم نورد صوراً توضح مقالب القمامة أمام بوابات المدارس ذات الجودة والاعتماد والامتياز المدرسى، وحالات التكدس بالقطارات التى تتصادم، وأتوبيسات النقل العام ومترو الأنفاق، وكأننا مدينة من مدن بنجلاديش أو كمبوديا.

وفى الوقت أعلن فيه الرئيس الأمريكى أوباما حالة الطوارئ القصوى فى الولايات المتحدة بشأن تفشى فيروس أنفلونزا الخنازير الذى تعدى خط انتشاره المتوقع. وهذا بالضرورة ـ كما اعتدنا ـ سيحفز المسئولين بوزارتى الصحة والتعليم بتعليق الدراسة إلى وقت يعلمه الله تعالى، أما بالنسبة للدراسة بالجامعات المصرية البعيدة عن التصنيف العالمى للجامعات ذات الجودة (مع اعتذارى للملل الذى سببته للقارئ بتكرار هذه العبارة فى أكثر من مقال) فهى إما مشغولة بطبع المذكرات والكتب ذات العائد الاقتصادى خوفاً من غلقها، أو متابعة تصريحات شيخ الأزهر بشأن النقاب لتطبيقها على الفور.

إلى هذا الحد يعرف الجميع كل ما سبق ذكره تطبيقاً لقانون العالم قرية صغيرة، لكن قد لا يعرف البعض شعار مؤتمر الحزب الوطنى الأخير "من أجلك أنت"، والمنتشر بهوس فى شوارع العاصمة، أما فى المحافظات الإقليمية الأخرى مثل المنيا وأسيوط وبنى سويف والفيوم فاكتفى الحزب الوطنى بوضع لافتات للمؤتمر داخل أروقة مقار الحزب بكل محافظة، هذا على ظن غير خاطئ بأن مواطنى تلك المحافظات لا يهتمون بالسياسة ولا هم من أهلها، اللهم سوى سيارات نقل المواطنين للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات ذات الصناديق الزجاجية المكشوفة.

ورغم كونى ـ سابقاً ـ عضواً بالحزب الوطنى الديمقراطى قبل تركه، بل لم أكن مجرد عضو بكارنيه، بل كنت ضمن هيئة مكتب وحدة حزبية بمنطقة شعبية، رغم أننى لست من مواليدها ولا من سكانها ولم أدرس يوماً واحداً بمدارسها، وربنا يستر، هل أدرج الحزب الوطنى ضمن أجندته فى المؤتمر سبل مواجهة أنفلونزا الخنازير باعتبار أن وزارة الصحة هى وزارة الحزب طبقاً للانتخابات السابقة، وإذا كان هذا قد تم بالفعل وفقاً لتصريحات أحد أمناء الحزب الوطنى الذى أؤكد (دون قسم) أنه لا يعرف مصطلح H1N1 ولا عقار التامفيلو. فأرجو أن يخرج هذا الاهتمام بعيداً عن إعلانات التليفزيون المدفوعة مقدماً، أو النشرات التوضيحية أو عن التوصية بضرورة متابعة اللجان المختصة للمدارس والمستشفيات. عليهم وليس على أن يتابعوا باهتمام الإجراءات التى سيقوم بها أوباما لمواجهة هذا الفيروس اللعين الذى يستهين به الجميع.

ومن المفترض أن المؤتمر الذى يحمل شعار "من أجلك أنت" وهو يقصد بـ"أنت" كافة قطاعات الشعب المصرى بدءاً من الجنين فى بطن أمه، انتهاءً بالمتوفى الذى يستخرج له تصريح دفن. ولا شك أن قضايا المواطن المصرى أصبحت عديدة ومتنوعة وشائكة لا أستطيع أحمّلها لمؤتمر الحزب الوطنى، الذى ينعقد فى ثلاثة أيام على الأكثر وجميع جلساته تعرض تقارير وتشكل أمانات وأوراق وكتيبات أعلم مصيرها بعد توزيعها، ثم تصفيق حار وأخبار تنشر بالصحف والمجلات.

ولأننى لست وكيل مؤسسين للشعب المصرى من الحديث بقضاياه وهويته، فلن أتحدث عن مطالبه المتنوعة والتى لا تعنيه أبداً كلمات مثل: حققنا، والمؤشرات تدل، وفى العام الماضى كانت الموازنة كذا، وبلغنا معدل عجز كذا، بل إن ما يهتم به أقل فرد طبقاً للمؤشرات الاقتصادية هو قل لى: كيف أعيش بما يطلق عليه البعض "المرتب"؟ هو مواطن لا تعنيه أرقام هيئة التأمين الصحى، والتعديلات الجديدة على قانون العاملين المدنيين بالدولة، ولا تهمه منح الجنسية المصرية لأبناء الأم المصرية المتزوجة من أجنبى.

والموضوعات السابقة لا شك أنها من إنجازات الحكومة الحزبية التى لا يمكن إغفالها، لكن هى إنجازات تهم المواطن البرجوازى الذى يمتلك شقة بالمدن الجديدة وسيارة ودشاً وربما كمبيوتر شخصى، لكنى أتحدث عن تلك المرأة التى تشترى غطاء الرأس بالتقسيط، وذلك البائع الذى يقترض من أجل شراء أسطوانة إطفاء الحريق طبقاً لتعليمات الدفاع المدنى، وهذا الذى يشترى لأولاده أدوات مدرسية وهو يعلم أنهم مهددون بالموت بسبب إهمال المدرسة فى مواجهة أنفلونزا الخنازير.

وعبارة كيف أعيش لا يحتمل تأويلاً آخر سوى الطعام والشراب والتعليم والمواصلات والدواء، فهو لا يهمه مثلاً التشكيلات الحزبية الجديدة والأمانات المستحدثة، ولا تهمه معركة الحرس القديم والجديد وتكسير العظام، ولا تعنيه انتخابات الوحدات القاعدية، بل تهمه تلك العبارة السينمائية الشهيرة فى فيلم عمارة يعقوبيان بأن الشعب ماسك فى ذيل الحكومة وكأنها أمه "إللى خلفته"، ولأنها حكومة الحزب فهذا دوره التاريخى فى تحقيق شعار المواطن "عايز أعيش".

وليت الحزب الوطنى أحسن صنعاً بأن يجرى استطلاعاً لرأى عينة ممثلة للشعب، والعينة الاستطلاعية حسب علماء الاستطلاع والإحصاء تمثل نسبة 35% من حجم المجتمع الأصلى، يعنى 35% من ثمانين مليوناً ليسوا من ذوى المهن المرموقة أو شباب الفيس بوك، على أن يهتم هذا الاستطلاع بالتعرف على استجابات العينة لشعار من أجلك أنت، أو ليكن عنوانه "عايزين إيه بالضبط من الحزب؟".








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة