يأتى 6أكتوبر كل عام وفى جيبه اليمين ذكرى انتصار عظيم، وفى جيبه "اللى وراء" ذكرى دماء الرئيس أنور السادات الذى سقط ضحية ثقته فى استحالة أن يلحق به أذى وهو بين أبنائه، يأتى 6 أكتوبر وتلهو الدولة مع احتفالات النصر غافلة عن أن تقيم عزاء سنويا للرئيس السادات الذى فشلت أجهزتها فى حمايته وهو بين رجال جيشها ومخابراتها وداخليتها، لم يفكر أحدهم يوما سواء كان الرئيس أو غيره من قيادات الدولة أن يحتفل بالسادس من أكتوبر من فوق المنصة التى قتل عليها الزعيم الراحل تكريما له وتأكيدا على أن طريق النصر ومنصته لم تهدمهما رصاصات الغدر التى انطلقت من رشاشات الإسلامبولى ورفاقه، الرئيس مبارك يتشاءم من المنصة وذكرياته معها، تجاهلها حتى تحولت فى عهده إلى مزار سياحى بدلا من أن تكون منبرا يصعد هو فوقه كل عام ليحتفل مع الناس ويذكرهم بتضحيات سلفه، ويأخذ مما حدث فوق كراسيها العبرة والعظة.
فى ذلك اليوم كان نجل الرئيس الأصغر جمال مبارك معه فوق المنصة كما قال فى حديثه لجريدة «النيويورك تايمز» فى 20 أكتوبر1981 (ولدى الأكبر «علاء» الذى كان يتابع العرض العسكرى من المنزل، حدث له نوع من عدم التركيز وفقدان الوعى، جمال أيضًا رأى الحادث، ووقتها بحثت عنه ونظرت إليه، وبعد ذلك أخذونى فى السيارة إلى المستشفى، وعرفت أنه عاد إلى المنزل وكانت التجربة كانت مؤلمة بالنسبة له).
أيها القارئ الخبيث دعك من دلالة اصطحاب الرئيس مبارك لولده جمال إلى احتفالات أكتوبر، واطرد التفسيرات التى تملأ دماغك وتخبرك الآن بأن جمال مبارك كان يتم إعداده ليكون ضمن الكبار منذ كان الرئيس مبارك نائبا، أو أن مخطط التوريث بدأ "من زمان أوى".. دعك من كل هذا وركز كثيرا فيما يمكن أن يحدث لو كانت ذاكرة جمال مبارك جيدة ولا تتخلص من المشاهد المؤلمة، وتخيل ما الذى يمكن أن تساهم به ذكريات المنصة فى تشكيل وجدان جمال مبارك رئيسا- هذا إن كنت مثلى من ضمن القانعين بأن السيد جمال مبارك هو القادم إلى كرسى الرئاسة- 45 ثانية رأى فيها جمال مبارك رئيسا منتصرا يهوى عن عرشه برصاصات رخيصة اختطفته للموت من بين أحضان رجاله قد تكون سببا فى أن تجعل من جمال مبارك رئيسا أحرص من اللازم لا يسير إلا بموكب ولا يخاطب الناس إلا من خلف الميكروفونات، ولا يلوح لهم إلا من داخل جدران مصفحة.. وهذا يعنى باختصار أن حالة الخصام بين الشعب ورئيسه مستمرة إلى ما شاء الله، إلا إذا كان لهذه الثوانى ال45 تأثير آخر من نوعية الذكرى التى تنفع المؤمنين، الذكرى التى تمثل جرس إنذار للرئيس كلما أراد التفكير فى قرار يخص الناس، ذكرى تمر أحداثها على عقله وقلبه كلما رفع له الناس مظلما أو فكر هو أن يضع على رؤوسهم أعباء لا طاقة لهم بها، ذكرى تمنعه من تكميم الأفواه وكبت الحريات، ذكرى تخبره أن السبيل الوحيد لصناعة دولة قوية هو العدل والديمقراطية وليس قوانين الدكتور فتحى سرور ووزارات رجال الأعمال.. فهل تنقذنا هذه الثوانى الخمسة والأربعون وتنقذ أجيال مصر القادمة من المصير المظلم الذى عشناه طوال السنوات القادمة.. أتمنى سواء كان من تذكرها هو جمال مبارك أو أى شخص تأتى به الظروف إلى كرسى الرئاسة؟!