إذا كنت من عشاق القهوة الزيادة فسوف تدرك فوراً معنى تلك "المرارة" الذائبة فى فنجان قهوة سادة تشربه غصب عنك، لا لشىء سوى أنك قررت أن تقدم واجب عزاء فى واحد من أموات الفشل الكلوى أو السرطان أو ما تبقى من أمراض عصر مبارك.
مرارة القهوة السادة التى أجبروك على تذوقها فى العزاء الذى لا تحضر منه سوى ربع قرآنى لا يستمر أكثر من ربع ساعة تظل عالقة فى ذهنك حتى آخر العمر وتدفعك لكى تكون أشد حرصاً فى المرة المقبلة، وهذا هو الطبيعى على اعتبار أن الذى علمته سخونة الشربة الأدب يجب أن يدقق ويحذر حتى وهو يتعامل مع برودة ونعومة الزبادى.
تذوقنا طعم "المرارة" بالإجبار من فنجان أقسى بكثير من فنجان القهوة السادة.. تذوقنا "المرارة" من فنجان الهزيمة التى جاءت مذلة وقاسية فى هزيمة يونيه 1967اللى بيدلوعها ويقولوا عليها نكسة، وهى فى حقيقتها كانت خيبة ووكسة ضلمت على مستقبل مصر كله وجعلت كل أفراحنا مكسوة ببعض الحزن أو العار.
صحيح تذوقنا حلاوة النصر فى 1973 ولكن طعم الحلاوة لم يدم كثيراً، ربما لأن مرارة الهزيمة كانت أشد وأقسى من أن تمحوها قطعة حلاوة واحدة رغم كل التضحيات التى تمت من أجل صناعتها أو ربما وهو السبب الأقرب للحقيقة أننا فشلنا فى الحفاظ على طعم النصر وحلاوته ونجحت إسرائيل فى أن تغلق أفواهنا وقلوبنا على ذلك الطعم المر الذى أذاقته لكرامتنا فى 67 .
السادات خطف أجزاء من قطعة الحلاوة بعد سنوات من صناعتها وهو يوقع على أوراق سلام مكتوبة بخط إسرائيلى فى كامب ديفيد والرئيس مبارك جاء وهو مصمم على أن يزيل ما تبقى منها حتى ولو كان مجرد حلاوة شعر سهلة الذوبان.. فى الأول قال أنه انتصر بضربته الجوية الساحقة الماحقة ومسح بأستيكة قطرات دماء الرجال التى سالت على رمال سيناء، بينما كان هو يجلس على الدكة وينتظر النتيجة، وبعد ذلك عاد ليسقى عقولنا من نفس البئر الذى تسكن فيه أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر حينما لا يخجل من تكرار جملة متغيرة الصياغة مع كل قلة أدب إسرائيلية تطول أحد جنودنا على الحدود أو كثير من أشقائنا فى فلسطين وبيروت.. تقول بأننا لا نقوى على مواجهة إسرائيل.. فلم يعد للانتصار طعم.
وأرض سيناء أعادها مبارك إلى أحضان اليهود يتحركون فيها بحرية أكثر من أهلها ويشترون ويستثمرون بقوة وبسرعة تقول بأنه لن تمر إلا سنوات قليلة ويرفرف العلم الإسرائيلى هناك مرة أخرى، وحدوتة الأربعين ألف متر التى اشتراها اليهود فى شرم الشيخ بمساعدة رجال أعمال قطريين واحدة من ضمن ألاف الحواديت المستخبية عن أرضنا التى تضيع، وحقوق جنودنا وأسرانا التى تملأ دماؤهم صحراء سيناء ولا نستطيع أن نفتح فمنا لنطالب بحقوقهم حدوتة أكثر دلالة على الخندق الذى وضعنا فيها أنفسنا تحت رحمة تل أبيب.
لم أعش وقت هزيمة يونيه ولكننى أشعر بها الآن، "مرارتها" تملأ فمى، ولم أعش أيام أكتوبر التى أفخر بها، ولكن للأسف حلاوتها لم تعرف طريق لفمى والبركة فى سيادة الرئيس الذى يعشق كثيراًَ أحضان أولمرت أو نتانياهو أو أى إسرائيلى يجلس على كرسى الحكومة فى تل أبيب.. الله يمسيهم بالنار.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة